لمّا الحجر يحل محل الشّجر.. والدّخان يكدّر صفاء المطر.. بحس بالذنب إنه إحنا البشر.. أظهرنا الفساد في البرّ والبحر.. وأدخلنا التوازن البيئي في مرحلة الخطر.. خذوا لكم مثال يقرّبنا.. لنعرف شو بيسير عَ كوكبنا.. عيلة أبو ليفة...

عيلة أبو ليفة عيلة طريفة.. أبو ليفة وأم ليفة, وأحمد وشريفة..

أبو ليفة زلمة مقدّر وإلو هيبة .. طيّب كتير وما عليه العيبة.. وبيطول المصاري من طرف الجيبة.. عنده مصنع بيصنع أشكال وألوان.. له مداخن سخيّة بسحب الدّخان.. إذا مرّ من جنبها إنسان.. بيصيبه أزمَة واحتقان.. والعوادم بيرميها في السّيل الزعلان.. السّيل اللي كان مأوى للعصافير والأسماك.. صار اليوم مرتع للجراثيم والبعوض الفتّاك..

وسيّارات المصنع كل وحدة قد العملاق.. لمّا تجوب الشوارع دخّانها بيغطّي الآفاق..
وبتعمل غبرة وإزعاج متل سيّارات السباق..

مرته أم ليفة متكتكة ونظيفة.. بتهدر مي وصابون لدرجة مخيفة..

بتكنّس البيت بالكهربا وبتكُت الكيس فوق غسيل الجيران..
وبتغسل الدّعّاسة والممسحة وبتنشرهم فوق كاسة عصير أبو عدنان!

إذا شافت صرصور أو شعشبون.. بتخلّص عليه مبيد كلوروفلوروكربون..

حبها للنظافة بالغ الجنون.. قال من الحبّ ما قتل.. ومن النظافة ما وسّع ثقب الأوزون!

عندها معاطف ثمينة وحقائب.. من فرو الدببة والثعالب..
وإكسسوارات نادرة وأغراض.. من عاج الفيلة المهدّدة بالانقراض..

بنتهم شريفة كتير أمّورة.. بينطبق عليها قول الشاعر: "ليه بتأصّر تنّورة".

بتحمل السشوار ثلاث ساعات وما بتتعب.. بعدين بترُش شعرها سبراي ثلاثة متر مكعّب..
وبتعبّي وجهها وجسمها بأنواع المبرّقات و الميكاب..

مرّة أخذت صاحباتها على المقهى الغالي.. مش حُبّاً فيهم، ولكن بهوَرَة وتحالي.. وفي السيّارة فتحت المُسجّل على الصوت العالي.. وناولت صاحباتها كيس تسالي.. ولمّا احتاروا وين يكبّوا القشر والزبالة.. نثرَتُه من شُبّاك السيّارة وهي لا تبالي.. وفي المقهى طلبوا أراجيل من الحجم الوفير.. وبلّشوا بالدّخان شهيق وزفير.. الغيمة اللي عملوها كثيفة كتير.. انضمّت لانبعاثات المصانع وقنابل التدمير.. اللي بتسبّب الفيضانات والزوابع والأعاصير!

هل خطر في بال شريفة لمّا دخّنت سيجارتين، إنها ساهمت في ذوبان الجليد عند القطبين؟ وغرق جزيرة إبصَر وين؟!

ولمّا روّحت البيت، كانت ريحتها فحم وحطب.. وملأت سلّة زبالة محارم وقطن من أثر الميكاب.. مُعدّل الزبالة السّنوي لشريفة لحالها قافلة من سيّارات البيكاب..

وبعدين فاتت تتحمّم وياويلي شو كبّت كبب.. لو نهر النيل ولّا نهر الأمازون كان خلّص ونضب.. وشغّلت المُكيّف طول الليل لحتّى انقطع نفسه وضرب..

أمّا أخوها أحمد رغم المدرسة والامتحان.. مش ماخذ عقله إلّا بنت الجيران.. وكُلما يفتح كتاب ليدرس.. بزهأ وبحس حاله نعسان.. وببلّش يتتاوب ويفتح تمّه متر .. شو فتحة تم، ولا فرس النهر.. وبكل فتحة تم بتنبعث كميّة هائلة من ثاني أكسيد الكربون.. بتذوّب جبال الجليد وبتهدّ الكون..
وأنا بقول شو سبب الاحتباس الحراري الملعون!!

وقد ما بيشرب صودا و بياكل وجبات سريعة وبون بون.. ابتُلي بالغازات وأصابه داء القولون.. وما كفّاه يعمل ثقب في البنطلون.. لحتّى عمل ثقب في طبقة الأوزون..

بس كلّه يهون عن البصاق في السّاحة.. والتبوّل في حوض السباحة..

بيوم من الأيام.. أبو ليفة أصابه زكام.. ومن شدّة السّيلان والعطاس.. ما كان قادر يلتقط الأنفاس.. وحبّكت هداك اليوم إلّا بدّه يصلّي في المسجد.. عشان أموره تتحسّن وهو ينسعد.. وبنص الصلاة كان السيلان يزداد.. صار ياخذ من أنفه ويمسح في السجّاد.. نشر الوباء.. وآذى المصلّين.. ولوّث الهواء.. ونفّر الآخرين..

ومرّة أبو ليفة اشتاق للطبيعة الخلّابة.. والهوا النظيف والمي المنسابة.. فأخذ أهل بيته رحلة إلى الغابة.. وهناك أحب يجرّب البارودة الجديدة.. صارت العصافير ما بين شريدة وطريدة.. وأهله كبّوا على التراب أوساخ عديدة.. أكياس شيبس، وباكيتات عصير، وكعابيل جريدة..

وبينما أحمد بيلعب وراء الأشجار.. لمح قمعة سيجار.. حطها في تمّه وأشعل النار.. وصار يدخّن ويقلّد الكبار.. وفجأة سمع أمّه بتناديه.. فارتبك ورجع طيار.. ورمى من تمّه السيجار.. رماه على الأرض غير آبِه.. تاني يوم سمعوا في الأخبار: "حرائق تلتهم نصف الغابة"!

لو الحيوانات بتعرف طريق المغفر كان شكتهُم.. ولو ذرّات الهوا أمرها بيدها كان محتهم..

هل تخيّل أبو ليفة وعيلته الراقية.. تيجي عليهم أيّام قاسية.. يمشوا في الشارع بأقنعة واقية؟

هل تساءلوا عن ذريّتهم الآتية إذا رح تلاقي شربة ماء صافية؟ هل رح يتبقّى لهالذريّة وقود لينعموا بليالي دافية؟

هل رح يتمتّعوا بالشجر والظل الظليل.. والنبعة والنهر والهوا العليل.. ويشوفوا الباندا والفقمة والفيل.. ولّا رح تكون كلها مُجرّد صور من الزمن الماضي الجميل؟


وجب علينا نزرع الأشجار الكثيفة.. ونحمي الحيوانات الضعيفة.. ونمنع الملوّثات المخيفة.. ونلجأ للطاقة النظيفة.. فهمتم يا أحمد وشريفة!