احتفل العالم الغربي في وقت سابق من هذا العام بالذكرى الـ125 لتنصيب تمثال الحرية في نيويورك، وكان لهذا الاحتفال أن يقام على مدخل قناة السويس في بورسعيد، لأن فكرة التمثال عرضت لأول مرة على الخديوي إسماعيل، بأن ينصَب تمثال لفلاحة مصرية على بوابة القناة، إلا أن الخديوي إسماعيل امتنع عن الفكرة لعدم استطاعته توفير تكاليفها.

وكان من المقرر أن يصنع تمثال الفلاحة المصرية عملاقاً أيضاً، وعلى شاكلة تمثال الحرية في نيويورك نفسه، ولكنه كان للسمراء المصرية أن تحمل جرة واسمها باللهجة المصرية "البلاص" بدلاً من المشعل، وكان المصريون القدماء منذ زمن الفراعنة يعتبرون "البلاص" وعاء العطاء والخير من عسل أو جبن أو زيتون.
وتذكر مراجع تاريخية مصرية أن فكرة تمثال الفلاحة بدأت عندما سافر النحّات بارتولدي الفرنسي الجنسية إيطالي الأصل في 1869 إلى مصر حاملاً معه نموذجاً مصغراً عن التمثال بطلب من الخديوي نفسه، فاقترحه عليه بديلاً عن مشروع تمثال فرناند ديليسبس وهو صاحب فكرة شق القناة ليأتي كرمز لحرية الملاحة والصداقة بين الشعوب مع عبارة "مصر منارة آسيا" في قاعدته، ونصبه عند مدخل قناة السويس، التي تم افتتاحها في 16 تشرين الثاني من ذلك العام.

لكن الخديوي فوجئ بالتكاليف، وخزينة البلاد خاوية، ولم يبق مال لدفع ما يزيد على 600 ألف دولار كتكاليف للتمثال وقاعدته، بسبب ما تم دفعه لحفر القناة وحفل افتتاحها، فصرف النظر عن التمثال، وولى الفرنسي بارتولدي وجهه شطر الولايات المتحدة متساهلاً مع الأمريكيين أكثر بكثير مما تساهل مع المصريين.

عرض صانع التماثيل الفرنسي أن يكون تمثاله هدية تقدمها فرنسا للولايات المتحدة لمناسبة المئوية الأولى لاستقلالها، ومضى تاركاً للمصريين مشروع تمثال أرخص وأصغر صنعوه في فرنسا بعد 30 سنة لديليسبس، ولم يكلف وقتها سوى 50 ألف دولار، بدلاً عن التمثال الأول لديليسبس، الذي دمره الثوار أبان العدوان الثلاثي على مصر في العام 1956.

ومن الجدير ذكره أنه من الصعب جداً أن تجد من يعرف بأن "الليدي ليبرتي" كما يسمون صاحبة "تمثال الحرية" في أميركا هي في الحقيقة فلاحة مصرية رآها بارتولدي في مدينة الأقصر، وكان تمثالها سيرتفع 125 متراً عند أهم معبر مائي في العالم، لو كان في الخزينة المصرية 600 ألف دولار فقط.