بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
حجم العقاب يجب ان يكافىء حجم الخطيئة بلا زيادة او نقصان
الكلام عن العدل والرحمة ، يحتم وجود تكافئ بين حجم العقاب و بين حجم الخطيئة من ناحية الشناعة والكم.
فالعدل روحه المساواة وغايته وضع الأشياء في مكانها الصحيح وإرجاع الحقوق بلا زيادة أو نقصان
فلو صفع إنسان إنسان آخر صفعة على وجهه فمن العدل والإنصاف تمكين الإنسان المصفوع من رد الصفعة بدون التعدي إلى صفعة أخرى ولو حدث تعدى , فسوف يتحول الأمر من العدل إلى الجور وهذا يندرج تحت اخذ الحق بدون زيادة أو نقصان.
فهل في القوانين الوضعية يحدث ذلك ؟
فى القوانين الوضعية التي وضعها البشر نجد ذلك التناسب بين حجم الخطيئة وحجم العقاب موجود تحت ما يسمى بقانون العقوبات فكل جريمة لها العقاب المناسب لحجمها دون التعدى إلى عقاب جريمة أخرى مع العلم بحجم العقاب ذاته المرتبط بهذه الخطيئة .
كيف ذلك ؟
إذا كان العقاب المترتب على جريمة القتل عشر سنوات مثلا بينما العقاب المترتب على جريمة السرقة ثلاث سنوات فمن غير المقبول لدى البشر تحت فهمهم الفطرى للعدل أن يحدث تعدى من عقاب السرقة إلى عقاب القتل أو من عقاب شيء إلى شيء آخر ولم ينبع هذا (عدم الرضا) إلا من فطرية هذه النسبة هذه الفطرية التي حثت شعوب الحضارات القديمة على وضع قانون للعقوبات كل وظيفته وضع العقوبات المتعلقة بالجرائم المختلفة مع مرعاة الشروط السابقة وهذا لا ينفى كون بعض هذه القوانين ظالمة ولكن ظلمها كان بعيدا تماما الأخطاء التي يؤمن بها النصارى او رؤيتهم المشوهة للعدل التي لن يبررها عذر لان الارتباط حجم الخطيئة وحجم العقاب فطرى وبديهي ولا يحتاج إلى تفكير أو مراجعة .
فمثلا فى قانون العقوبات الروماني السارق الذي يضبط متلبسًا بجريمة السرقة يصبح عبدًا للمسروق منه. وكانت العقوبات تختلف و تتفاوت من الغرامة البسيطة إلى النفي، أو الاسترقاق أو الإعدام، ومنها ما كان يجري بطريق القصاص (lex talionis). وكثيرًا ما كانت الغرامات تحدد تحديدًا دقيقًا حسب طبقة المعتدي عليه: "فكانت عقوبة كسر عظام الحر 300 آس، وكسر عظام العبد 150 آسًا(18)". وكان القذف والرشوة والحنث في الإيمان، وسرقة المحاصيل الزراعية، وإتلاف غلات الجار ليلاً، وخديعة المحامي للمتقاضين، وممارسة السحر، ودس السم في الطعام، والاغتيال، "والاجتماع في المدينة ليلاً لتدبير الفتن والمؤامرات" كانت هذه كلها يعاقب عليها بالإعدام (19). وكان الابن الذي يقتل أباه يوضع في كيس ومعه في بعض الأحيان ديك، أو كلب، أو قرد، أو أفعى، ويلقى في النهر(20). على أنه كان من حق المواطن في العاصمة نفسها أن يستأنف الحكم الصادر عليه بالإعدام من أية جهة قضائية عدا حكم الدكتاتور نفسه إلى الجمعية المئوية، وإذا رأى المتهم أن الأمور في الجمعية تسير في غير مصلحته كان له أن يخفف .
[راجع كتاب افتراءات واباطيل حول الاسلام – المستشار على عبد اللاه طنطاوى رئيس محكمة القيم ص77 , 78] [وكتاب القانون الرومانى – الدكتور عبد المنعم بدر]
.
ولو نظرنا إلى بعض القوانين الوضعية كقانون العقوبات المصري نجد أن الحكومة المصرية ''بالرجوع إلى المادة 342 الأصلية من قانون العقوبات قد تدرجت في التجريم والعقاب وفقاً للقواعد الأصولية في شأن تقنين الجرائم والعقوبات، وأضافت الحكومة أنه ''من المسلم به في فقه القانون الجنائي أن لكل جريمة جزاؤها الخاص بها، ومن ثم فإن الأمر في مقام تقدير العقوبة تحكمه وجهتا نظر، الأولى: ترى أهمية التدخل التشريعي لإجراء التعديلات اللازمة على قانون العقوبات كلما دعت الحاجة إليها، والثانية: ترى أنه من دواعي استقرار القوانين، ومنها قانون العقوبات، والحرص على توفير الثبات النسبي لها أن تصل إلى المنفعة الجدية لتحقيق أهدافها''. (ناصر زين – مجلة الوقت - العدد 1340 الخميس 3 ذي القعدة 1430 هـ - 22 أكتوبر 2009)

فهل يمكن أن يلتفت إلى ذلك الجانب الإنسان بعلمه الناقص ولا يلتفت إليه العليم الخبير (وان سألنا لماذا التفت الإنسان إلى هذه الجزئية ؟ لا نجد إلا إجابة واحدة !! العدل من الأشياء الفطرية عند الإنسان و متداخل مع حواشيها وبذلك يكون شيء تلقائي لا يحتاج إلى بحث أو اجتهاد) .
إذن, هناك حجم للعقاب مرتبط بحجم الخطيئة .
يقول ابن القيم في إعلام الموقعين "العقوبة يجب أن تكون على قدر الجريمة ـ لا إفراط ، ولا تفريط ـ ؛ لإن الذي شرعها هو المَلِكُ العَدْلُ، الحكيمُ الخبيرُ، ويقولُ أيضا : "فلما تفاوتت مراتب الجنايات، لم يكن بُدّ مِن تفاوتِ مراتب العقوبات، وكان من المعلوم أن الناس لو وُكِلُوا إلى عقولهم في معرفة ذلك، وترتيب كل عقوبة على ما يناسبها من الجناية جنسًا ووصفًا وقَدْرًا لذهبت بهم الآراء كل مَذْهَبٍ، وتشعَّبت بهم الطرق كل مَشْعَبٍ، ولعظُم الاختلاف، واشتدَّ الخطب، فكفاهم أرحم الراحمين، وأحكم الحاكمين مؤنة ذلك، وأزال عنهم كُلفَتَهُم، وتولَّى بحكمته وعلمه ورحمته تقديرَهُ نوعًا وقدرًا،ورتب على كل جناية ما يناسبها، ويليق بها من النَّكَالِ". اهـ [إعلام الموقعين (2 /384)].
"فلا بد أن يكون العقاب مكافئا للجريمة، مع عدم مجاوزة ما يستحقه الجاني من العقاب" (مجلة الجامعة الإسلامية - الدكتور احمد الكبيسى أستاذ الشريعة بجامعة بغداد)
وهذا هو المبدأ الذي استقرت عليه العدالة الدولية، ولم تحيد عنه (قانون مكافحة الارهاب والقانون الدولى – عبد النبى العكرى - الحوار المتمدن - العدد: 1208 - 2005 / 5 / 25 ) .
و ورد في كتاب قصة الحضارة إصدار الموسوعة الشاملة : وإذا لم تكن الذنوب كلها بدرجة واحدة ولا من نوع واحد فقد جعلت النار سبع طبقات في كل طبقة من العقاب ما يتناسب مع الذنب الذي ارتكبه المذنب، ففيها الحرارة التي تشوي الوجوه، وفيها الزمهرير، وحتى من يستحقون أخف العقاب يلبسون أحذية من نار، ويشرب الضالون المكذبون من الحميم وشرب الهيم (سورة الواقعة 40 وما بعدها)
و ورد أيضا في نفس الكتاب ما يؤكد كون ذلك من الحواشي الفطرية للإنسان بغض النظر عن عقيدته وهو أن قس انجيليزى قصاص يدعى آدم ده رس Adam de Ros وصف في قصيدة طويلة طواف القديس بولس في النار يقوده الملاك ميخائيل؛ وينطق ميخائيل بوصف مراتب العقاب التي توقع على درجات الذنوب المختلفة، ويظهر بولس وهو يرتجف من هذه الأهوال .