--------------------------------------------------------------------------------


بسم الله الرحمن الرحيم




الحمد لله ناصر عباده المؤمنين و خاذل المشركين .



و الصلاة و السلام على محمد المبعوث رحمة للعالمين و على آله و صحبه الغر الميامين .




أما بعد :




فإن النصارى لا يملون من تكرار الأكاذيب سعيا للنيل من الإسلام و المسلمين و في سبيل ذلك يلوكون بألسنتهم الفرى و الشبهات. و مما علقوا عليه آمالهم و أنفقوا فيه أموالهم لينفقوه فرية قول ابن عباس رضي الله عنهما: إن قضى كانت في القرآن وصى فالتصقت الواو بوصى فأصبحت و قضى .



و سأناقش النصارى رادا عليهم و أكسر بحثي إلى هذه :





مقدمة.



1 _ بيان تضارب الرواية عن ابن عباس و ضعف النقلة و دراسة لبعض الأسانيد .



2 _ أقوال بعض المفسرين و منم القرطبي الذي احتج به النصارى.



3 _ مخالفة الرواية للمنقول .



4 _ مخالفة الرواية للمعقول.



خاتمة
.




مقدمة:




مما لا شك فيه أن مصدر تشريع الأحكام عند المسلمين هما القرآن و الحديث الصحيح . و من أراد أن يقيم الحجة عليهم فلا يجهد نفسه بعيدا عنهما .و لما كان القرآن و الحديث مصدرا تشريع فهما أفضل الكلام على الإطلاق و لذلك أولاهما المسلمون عناية فائقة و أنفقوا في ذلك الأوقات و الأموال و بذلوا النفوس و اقتحموا الأهوال .و أحاطوهما بأغي مظاهر العناية و الاهتمام و ما سمعنا بأحد اعتنى بكلام ربه و نبيه إلا من المسلمين .فتولاه أشرف الناس بعد الأنبياء و الرسل بالحفظ و الكتابة و الإقراء حتى بلغ المشارق و المغارب و حفظه ما لا يعد و لا يحصى كثرة من المسلمين من مختلف الألوان و البلدان و اللغات .



لقد كتب القرآن كله في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم و جمع في عهد أبي بكر و عثمان رضي الله عنهما .و لنستمع إلى شهادة واحد ممن كتبوه .قال زيد بن ثابت رضي الله عنه:



أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ مَقْتَلَ أَهْلِ الْيَمَامَةِ وَعِنْدَهُ عُمَرُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي فَقَالَ إِنَّ الْقَتْلَ قَدْ اسْتَحَرَّ يَوْمَ الْيَمَامَةِ بِالنَّاسِ وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ فِي الْمَوَاطِنِ فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنْ الْقُرْآنِ إِلَّا أَنْ تَجْمَعُوهُ وَإِنِّي لَأَرَى أَنْ تَجْمَعَ الْقُرْآنَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ قُلْتُ لِعُمَرَ كَيْفَ أَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عُمَرُ هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي فِيهِ حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ لِذَلِكَ صَدْرِي وَرَأَيْتُ الَّذِي رَأَى عُمَرُ قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَعُمَرُ عِنْدَهُ جَالِسٌ لَا يَتَكَلَّمُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ إِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ وَلَا نَتَّهِمُكَ كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَتَبَّعْ الْقُرْآنَ فَاجْمَعْهُ فَوَاللَّهِ لَوْ كَلَّفَنِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنْ الْجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ قُلْتُ كَيْفَ تَفْعَلَانِ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ فَلَمْ أَزَلْ أُرَاجِعُهُ حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ اللَّهُ لَهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَقُمْتُ فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنْ الرِّقَاعِ وَالْأَكْتَافِ وَالْعُسُبِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ حَتَّى وَجَدْتُ مِنْ سُورَةِ التَّوْبَةِ آيَتَيْنِ مَعَ خُزَيْمَةَ الْأَنْصَارِيِّ لَمْ أَجِدْهُمَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرِهِ



« لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ «



إِلَى آخِرِهِمَا وَكَانَتْ الصُّحُفُ الَّتِي جُمِعَ فِيهَا الْقُرْآنُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ. رواه الإمام البخاري.



قال محمد الفضيل بن محمد الفاطمي الشبيهي رحمه الله في كتابه الذي سماه بالفجر الساطع على الصحيح الجامع:

إذ لابد من الجمع بين الحفظ والكتابة. انتهى قوله بنصه.


و قال أبو الخير محمد بن محمد بن الجزري رحمه الله :

لما كان في نحو ثلاثين من الهجرة في خلافة عثمان رضي الله عنه حضر حذيفة بن اليمان فتح أرمينية وآذربيجان فرأى الناس يختلقون في القرآن ويقول أحدهم للآخر قراءتي أصح من قراءتك فأفزعه ذلك وقدم على عثمان وقال أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلى إلينا بالصحف ننسخها ثم نردها إليك فأرسلتها إليه فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن ينسخوها في المصاحف وقال إذا اختلفتم أنتم وزيد في شيء فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم فكتب منها عدة مصاحف فوجه بمصحف إلى البصرة ومصحف إلى الكوفة ومصحف إلى الشام وترك مصحفاً بالمدينة وأمسك لنفسه مصحفاً الذي يقال له الإمام ووجه بمصحف إلى مكة وبمصحف إلى اليمن وبمصحف إلى البحرين وأجمعت الأمة المعصومة من الخطأ على ما تضمنته هذه المصاحف وترك ما خالفها من زيادة ونقص وإبدال كلمة بأخرى مما كان مأذوناً فيه توسعة عليهم ولم يثبت عندهم ثبوتاً مستفيضاً أنه من القرآن. وجردت هذه المصاحف جميعها من النقط والشكل ليحتملها ما صح نقله وثبت تلاوته عن النبي صلى الله عليه وسلم إذ كان الاعتماد على الحفظ لا على مجرد الخط. انتهى بالحرف .



إن من يعتمد على الكتابة و الحفظ لحري أن يكون دقيقا لا يتسرب الخلل إلى مكتوبه و محفوظه معا و هذا الذي وقع . لكن للنصارى رأي آخر حين استشهدوا برواية تقول:



: أنزل الله هذا الحرف على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم « ووصى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه » فالتصقت إحدى الواوين بالصاْد ، فقرأ الناس " وقضى ربك" ولو نزلت على القضاء ، ما أشرك به أحد . و هي مروية عن ابن عباس رضي الله عنهما. و سنناقشهم فيها و نحاججهم إن شاء الله .



إن المتصدي للحديث عن الأخطاء المزعومة في القرآن الكريم يجب أن يكون ذا أهلية و هؤلاء النصارى لا يحسنون ترتيب جملتين مفيدتين و ما يكتبون جملة إلا نزفت دما من الأخطاء الإملائية و النحوية و قد سمعت بأذناي نصارى يقولون إن هناك أخطاء في القرآن في سورة كذا و يقرأ اسم السورة خطأ و إذا قرأ منها فحدث و لاحرج.



إنك لتقضي العجب من النصارى كيف أن اليهود و النصارى قبلهم من العرب لم يقع لهم من أخطاء القرآن شيء و هم الذين يحرصون على انتقاص الإسلام و المسلمين ؟ كيف لم يكتشفوها و بانت للعجم العجماء من متأخريهم ؟



كيف ذهلوا عنها و لم يلحظوا و لو خطأ واحدا و بانت لمتأخريهم الأخطاء الكثيرة؟



كيف للشعراء من النصارى الذين رضعوا اللغة العربية من أثداء أمهاتهم أن يطيشوا و يشتطوا و لم يتبين لهم ما في القرآن مما ادعاه بنو نحلتهم و ملتهم من المتأخرين ألا ساء ما يزرون .و العجب العجاب أنك إذا ناقشتهم تهربوا و لم يبينوا و في كل مرة يشمسون كما تشمس الخيل !



نعم لقد ناقشتهم في مناظرات فكان الفشل الذريع حليفهم و كانت الهزائم المنكرة أرديتهم . إنهم في كل مرة يسيئون فيها إلى الإسلام يحققون نصرا وهميا لا يشاركهم فيه إلا المغفلون ممن شرب دم يسوع و أكل لحمه أو قل من أكل الرب ببوله و عذرته فانتشى حتى إنه لا يعقل ما يقول.



إن مجرد القراءة في تفسير الطبري أو القرطبي يعد فتحا لدى هؤلاء و من سمعهم ممن لم يقع له ذلك عند المتكلم و حسبه من العلماء الأثبات فصفق له و حيى . لكن و الحق يقال لا ذاك و لا ذا يستحقون شيئا من الثناء لأن الدفاع عن الباطل بالباطل و الجهل لا يسوغ و لا يقبله عاقل في كل زمان و مكان .



إني أريد أن أسأل هؤلاء الأغبياء :



هل قمتم بدراسة استقرائية و تتبعتم ما سميتموه أخطاء نحوية و لغوية؟



هل تستطيعون الدفاع عن فريتكم حتى آخر رمق؟



ما الذي يشهد لفريتكم ؟ و ابدأوا بالقرآن نفسه مرورا بالحديث و كلام علماء المسلمين و كلام شعراء العرب و انتهاء بكلام الأعداء لكن بشرط العلم و النزاهة . أقدم مثالا بين يدي الرد على قلة بضاعة النصارى و ضحالة معارفهم .



قال صاحب اللسان:



وقوله تعالى يُؤْمنُون بالجِبْتِ والطَّاغُوت قال الليث الطاغُوت تاؤها زائدةٌ وهي مُشْتَقَّةٌ من طَغَى وقال أَبو إِسحق كلُّ معبودٍ من دون الله عز وجلّ جِبْتٌ وطاغُوتٌ وقيل الجِبْتُ والطَّاغُوتُ الكَهَنَةُ والشَّياطينُ وقيل في بعض التفسير الجِبْتُ والطَّاغُوت حُيَيُّ بن أَخْطَبَ وكعبُ بنُ الأَشْرفِ اليَهودِيّانِ قال الأَزهري وهذا غيرُ خارج عَمَّا قال أَهل اللغة لأَنهم إِذا اتَّبَعُوا أَمرَهما فقد أَطاعُوهما من دون الله وقال الشَّعبيُّ وعطاءٌ ومجاهدٌ الجِبْتُ السِّحرُ والطاغوتُ الشيطان والكاهِنُ وكلُّ رأْسٍ في الضَّلال قد يكون واحداً قال تعالى يُريدون أَن يَتحاكَمُوا إِلى الطاغوت وقد أُمِرُوا أَن يَكْفُروا به وقد يكون جَمْعاً قال تعالى والذين كفَروا أَوْ لِياؤهم الطاغوتُ يُخْرِجُونهم . فَجَمَع قال الليث إِنما أَخبر عن الطاغُوت بجَمْعٍ لأَنه جنسٌ على حدّ قوله تعالى أَو الطِّفْلِ الذينَ لم يَظْهَرُوا على عَوْراتِ النساء وقال الكسائي الطاغوتُ واحدٌ وجِماعٌ وقال ابن السكيت هو مثل الفُلْكِ يُذَكَّرُ ويؤنَّث قال تعالى والذين اجْتَنَبُوا الطاغوتَ أَن يَعْبُدوها. انتهى قول ابن منظور بالحرف .



فكلمة طاغوت إن جهل متحدث بما تحيل عليه و نوعها حكم مستعجلا بالخطإ في الآية عندما قال الحق سبحانه و تعالى: والذين كفَروا أَوْ لِياؤهم الطاغوتُ يُخْرِجُونهم. فيقول تخرجهم بدل يخرجونهم . أو في قوله تعالى:وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا . أن يقول أن يجتنبوه .فإذا علم أن الطاغوت تطلق على المفرد و الجمع و المذكر و المؤنث بان له النور و أسفر الصبح و اتضحت المحجة .


للرد بقية...