بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


يقول الله تبارك وتعالى {ولا تعجل بالقرآن قبل أن يقضى إليك وحيه وقل ربي زدني علما}

هناك احتمالان متضاربان بخصوص هل غرق جميع من في الأرض من البشر بسبب الطوفان أم لا ؟؟

كل ما يذكره القرآن الكريم هو غرق قوم نوح عليه السلام المكذبين برسالته، وقد عرفنا العبرة من إهلاك جميع المكذبين برسالة المرسلين وكيف كانت عاقبتهم، وقوله تعالى { ثم أغرقنا بعد الباقين} يتأكد معناها من قوله تعالى {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} أي هلاك هؤلاء القوم الذين لم يومنوا برسالة نوح عليه السلام ، ولا يختلف هذا المعنى إلا أذا كان قوم نوح هم كل البشر الموجودين على سطح الأرض

ثم يأتي السؤال التالي : هل كان جميع البشر الموجودين على سطح الأرض آنذاك هم من قوم نوح عليه السلام ؟
وهل غمر الطوفان جميع اليابسة على الكرة الأرضية حينها ؟


يقول الله تبارك وتعالى { قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشيء النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير}. {سورة العنكبو (19): الأية 20}
ويقول جل وعلا { أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها}

فالله تبارك وتعالى قال وقوله الحق، ويطلب منا دائما التحقق مما قاله، ويحثنا على طلب العلم وتحري الحقائق، لذلك يجب أن نأخذ دائما الحقائق العلمية بعين الإعتبار ولا نهملها حتى ولو كانت محط شك ، فالشك قد يكون مفتاح اليقين

لذا يمكننا في هذه الحالة اللجوء إلى العلوم الكونية والتاريخية وعلوم الأرض والجيولوجية لكي تتوضح لنا الأمور أكثر فأكثر
وهذا ليس أبدا من أجل فرض رأي معين أو التعنث له ، ولكنه فقط من أجل أن تتوضح لنا معالم بعض الأشياء الغامضة التي قد لا نجد لها أي تفسير في المستقبل

فقد وجب التحقق من الكثير من الروايات أو الإعتقادات عن قصة قوم نوح عليه السلام التي قد تكون من الإسرائيليات أو متأثرة بالإسرائيليات أو أهل الكتاب، لأن أهل الكتاب كانوا يكذبون على أنبياءهم ويتهمونهم بالفواحش... ونحن مطالبون بمخالفة أهوائهم إذا تبين لنا الحق ، فكتابهم يتهم نوح عليه السلام بشيء لا يليق بمقام نبي إذ يتهمونه بأنه قد شرب الخمر وتعرى ... وبعدها سب ولعن إبنه الذي شاهده ...بل وحلت لعنته على جميع الأمم المنحدرة منه باستثناء أمتهم التي ينحدرون منها فقد مدحها وأثنى عليها.


أولا هل غمر الطوفان جميع اليابسة على الكرة الأرضية ؟

هذا أمر مستبعد جدا ... بل هو أمر مستحيل حسب كل ما توفر لدينا من معطيات
وقد ثبث أن الطوفان لم يغمر إلا مناطق معينة أهمها بلاد الرافدين الذي قضى على الحضارة السومرية حسب بعض علماء الجيولوجية
وهناك أسباب عديدة يستحيل بسببها أن يغمر الطوفان كل اليابسة أهمها الجبال و المرتفعات التي غرقها يستلزم أن يرتفع منسوب المياه بحيث يزيد حجم الكرة الأرضية بما يعادل ثلاثة أضعاف حجم المحيطات أو أكثر، وهذا أمر يستحيل حصوله حتى ولو انصهر جليد القطبين الشمالي والجنوبي اللذان يشكلان أكبر نسبة من المياه العذبة على وجه الأرض ، فقد ثبت أنه خلال نهاية العصر الجليدي انصهرت تدريجيا كميات كبيرة من جليد القطبين الشمالي والجنوبي وقد سبب ذلك غرق بعض الجزر القريبة من القطب المتجمد الشمالي بالكامل ولكن منسوب المياه على سطح الأرض لم يزد إلا بميليمترات قليلة.



ثانيا هل كان جميع البشر الموجودين على سطح الأرض آنذاك هم من قوم نوح عليه السلام ؟ أم أن هناك أمم أخرى غير قوم نوح ؟

قد يصعب تحديد متى وأين ظهر بالضبط أول إنسان على وجه الأرض ، فبعض النظريات تقول أن ظهور أول إنسان كان في أستراليا وذلك اعتمادا على شكل الهياكل العضمية الآدمية ونمط وطريقة العيش البدائية المكتشفة، مع أن قارة أسترالية تقع في معزل تام عن باقي القارات ولا يوجد أي شيء يدل على أن الطوفان قد غطاها يوما، ونظريات أخرى تقول بظهور أول إنسان كان في القارة الإفريقية ، ولكن بغض النظر عن هذه النظريات فقد استطاع الإنسان التواجد في جميع أنحاء الكرة الأرضية قبل وبعد نهاية العصر الجليدي حتى في القارة الأمريكية وذلك منذ ما يزيد عن 10.000 سنة حيث كان العبور إليها يتم عبر المحيط المتجمد الشمالي الذي كانت مساحته آنذاك شاسعة جدا وكان يربط مباشرة بين القارتين الأوربية والأمريكية وقد شكل ذلك معبرا سهلا نحو القارة الأمريكية زيادة على أنه قد شكل مرتعا خصبا للكثير من الكائنات الحية وبعض البشر البدائيين الذين استطاعوا التأقلم مع ذلك المناخ البارد ، ولكن في نهاية العصر الجليدي انصهرت تدريجيا مساحات شاسعة من الجليد فتسبب ذلك في فصل القارتين الأوروبية والأمريكية وغرق بعض الجزر القريبة من كندا وكانت موطنا للعديد من الكائنات الحية من ضمنها فيلة الماموث المنقرضة ، كما عرف المناخ حينها عدة تقلبات تسببت في نزول أمطار غزيرة في جميع المناطق بما في ذلك الصحاري والمناطق القاحلة.


وأخيرا
اكتشاف سفينة نوح المحجرة في ستينيات القرن الماضي على الجودي في تركيا في المنطقة التي غمرها الطوفان يؤكد أن هذا الطوفان هو طوفان نوح عليه السلام بنسبة كبيرة ، وهو لم يتجاوز مناطق محددة له.

وهذه السفينة رغم كبر حجمها إلا أنها لا طاقة لها بتحمل الآلاف المؤلفة من جميع أجناس الكائنات الحية الموجودة على سطح الأرض إضافة إلى قوتها خلال الإبحار... ولكنها تتسع لحمل أزواج من الأنعام والبهائم وكل ما يُحتاج إليه من قوت ركابها قبل وبعد رسوها.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.