التقدم في الاهتداء إلى إله واحد وثالوث
إن أردنا أن نشاهد سرّ الثالوث الأقدس , وجب علينا التفكير كما فكّرت الكنيسة على مر الأيام . لا يفكّر المسيحي على طريقة الفيلسوف الذي يبتدع حقيقته , إذا صح القول , ويعرضها على أناس آخرين , فالمسيحي لا يبتدع الحقيقة , بل ينالها . إنه يفكّر طبعاً في هذه الحقيقة التي يتقبّلها , ولكن بقيامه أولاً بالاختبار الذي قامت به الكنيسة على مرّ القرون . والحال ان الكنيسة فكّرت انطلاقاً من وحي يسوع المسيح . من هو هذا الإنسان ؟ لم يعترف الرسل بإيمانهم بألوهة يسوع صراحةً إِلاَّ في اعقاب تكوين استغرق زمناً طويلاً . سمعوا أولاً يسوع ينادي الله بأبيه رأوا يسوع يتصرف كرجل له خبرة مباشرة بالله و بالإنسان . فظهر لهم كمن كان في آن واحد إلهاً ينظر إلى الإنسان وإنساناً ينظر إلى الله . وشاهدوا تلك الألفة الفريدة التي تربط إنساناً بالله , والتي عاشها يسوع , لا أمامهم فقط , بل من أجلهم أيضاً , إذ إنه دعاهم إلى المشاركة فيها : " قولوا مثلي : أبي " مت 6/9 حافظ يسوع على تلك الألفة حتى في منتهى الألم , حين صمت الآب وبدا غائباً وأظهر الناس منتهى القساوة : " يا أبتِ , أُسلم روحي بين يديك ...اغفر لهم " . ولمّا قام يسوع من بين الأموات , اتّضح ان الله كان مع هذا الرجل . لكن السؤال بقي مطروحاً : هل هذا الإنسان هو الله ؟ هل الله ويسوع اثنان ام واحد ؟ وفي العنصرة , استولى روح يسوع على الرسل . فأصبح فيهم بعد اليوم من كان في يسوع , من كان به يسوع ما كان . وقادهم إلى الأعمال نفسها - أعمال الرسل - , وإلى مواجهة الأخطار نفسها , وإلى الجرأة نفسها في الموت . انه روح يسوع , لكنه لا يمكن أن يكون غير روح الله , لأنّ الله وحده قادر على هبة روحه . أمّا نحن فلا نستطيع أن نهب روحنا , لأنه خاصّ بنا على الاطلاق . يمكنني أن أهب من علمي ومن ثقافتي , لكنه من غير المعقول على الاطلاق أن أهب روحي . فلم يعترف الرسل بأن يسوع هو إله إلاَّ في العنصرة . رأت الكنيسة نفسها أمام مفارقة إله واحد وثالوث , وما لبثت أن ادركت أنها , ان لم تحافظ بدقة على المفارقة , تقضي على رجاء البشرية . لو لم يصر الله انساناً , كيف أمكن للانسان ان يؤلّه ؟ وكيف يمكن لإله لا يكون إلاَّ اقنوما واحداً ان يتجسّد ؟ فمثل ذلك الانسان الإله لن يستطيع أن يعرف إلهاً غير نفسه , ولن يستطيع ان يخاطب آخر, بل يسجد لنفسه . ناضلت الكنيسة نضالاً حماسياً في القرون الثلاثة الأولى من تاريخا , لكيلا يُقضى على عمق السر رغبةًً في ادراك معناه دون إبطاء . حين تكون المسألة مسألة معرفة الحق , لا يضحّي الروح القدس , بالرغم من رغبة الناس في الحلول الوسط , بما يقتضيه تفهّم أفضل لا يُحصل عليه إلاَّ بالبطء والجهد . خضعت الكنيسة لمنطق دقيق فرض عليها عدم الفصل , في وحدة ايمانها , بين الإيمان الثلاثي بتأليه البشرية وألوهة يسوع المسيح والثالوث الأقدس . فإن لم يكن الله ثالوثاً , كان التجسّد اسطورة , وان كان التجسّد اسطورة , لم يكن هناك من تأليه للإنسان . فالأمور مترابطة .
ملحوظة : - ان هذا الموضوع هو تتمة للموضوع السابق " المسيح الاله الحق والانسان الحق ... " عذراً من جميع المشاركين في الحوار سوف أحاول الإجابة على أسئلتكم من خلال المواضيع المطروحة .
- الثالوث ( الوحدانيّة المسيحيّة ) ... قيد التحضير .
- الروح يرشدكم إلى الحق " يوحنا 16/12-15 " ... قيد التحضير .
- حضور يسوع والاب والروح في الكنيسة " يوحنا 14/15-24 " ... قيد التحضير .
- التوحيد والتثليث ما بين الإنجيل و القرآن ... قيد التحضير .