بسم الله الرحمن الرحيم


{وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} (4) سورة الطلاق

وقد فسرها الكثير على انها البنت الصغيرة التى لم تبلغ المحيض وقد قال البعض انها يقصد منها الاطفال فتكونت شبهة ان الاسلام يبيح زواج الاطفال
ونظرا لان الله وجهنا الى اخذ الكتاب كله اردت ان اخذ الموضوع من نظرة شاملة للقران حتى ادحض هذه الشبهة من اصلها ان شاء الله

{ثُمَّ أَنتُمْ هَؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} (85) سورة البقرة

ان المبدا الذى نسير عليه هو التفريق بين كل لفظ عن ناظره حتى نصل الى المعنى المرجوا

فمثلا عندما اقول كلمة كرة لايفهمها السامع على انها دائرة صحيح ان الدائرة هى جزء من الكرة ولكنها ليست كرة فالكرة لها ثلاثة ابعاد اما الدائرة فلها بعدان فقط لذلك وجب التفريق بينهما .

ناتى الان الى التفريق بين كلمة( طفل او اطفال) وبين كلمة ( لم يحضن اولم يبلغوا )

فالطفولة هى المرحلة العمرية التى تسبق سن البلوغ لذلك قال الله

{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى مِن قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُّسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (67) سورة غافر

{وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (59) سورة النــور


{وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (31) سورة النــور


{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} (5) سورة الحـج


{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (58) سورة النــور

فاذا تتبعت الايات تجد ان الله فرق بين{ الطفولة و البلوغ (فقط ) و البلوغ (مع الاحتلام او الحيض ) }

كيف ذلك؟



المرحلة الاولى


( الطفولة)

تجد ان الله استخدم كلمة طفل فى مراحل حياة الانسان

(ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ) (ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ )

وهى المرحلة التى تبدا من الولادة الى البلوغ


ا
المرحلة الثانية

(
البلوغ فقط دون احتلام او حيض
)

كما فى قوله تعالى

(وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ )

فهو لم يذكره بلفظ طفل كما ذكرته الايات السابقة وانما ذكره بعدم الاحتلام اى انه لم يحتلم ( او تحيض) بعد وما يؤكد قولى هذا انه قرنه بالرجال فى الحكم

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ) ولو كان يقصد الطفل الصغير لذكره كما فى قوله تعالى
(أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء ) فبينت الاية ان هناك نوعان

الاول الطفل الصغير الذى لا يظهر على عورات النساء فهو الطفل الصغير فى سن الطفولة فلذلك قرنه ب ( لم يظهروا ) فلذلك هو مستثنى من الحكم

الثانى الطفل الذى يظهر على عورات النساء فهو الذى وصل الى سن البلوغ ولم يحتلم (او تحيض ) فهو المسمى ( لم يبلغ الحلم ) لذلك لم يستثنيه الله من الحكم

وكانت الامم منهم العرب تحكم على البلوغ بمجرد المظهر المشاهد لا بالاحتلام (او الحيض) نفسه لذلك تجد ان النبي فى قتال بنى قريظة قد حكم بالبلوغ على من وجد له شعر تحت ابطه فلو كان حكم البلوغ هو الاحتلام لسألهم عنه النبى خصوصا انه قد نهى عن قتل الاطفال وقد علم عنه ذلك

انطلقوا باسم الله لا تقتلوا شيخاً فانياً و لا طفلاً صغيراً ولا امرأة ولا تغلوا وضموا غنائمكم وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين) رواه أبو داود فى السنن

اغزوا باسم الله وفي سبيل الله وقاتلوا من كفر بالله اغزوا ولا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا ) رواه ابو داود


( عرضنا على النبي صلى الله عليه وسلم يوم قريظة فكان من أنبت قتل ومن لم ينبت خلى سبيله ، فكنت ممن لم ينبت فخلى سبيلي ) رواه ابن حبان عن عطية القرظى

فكان الحكم من الظاهر منهم بلوغه فكان الحكم الظاهر هو انبات الشعر
ولو لم يكن هذا ما تعارف العرب عليه لعيره به اليهود والمشركين


المرحلة الثالثة


(
مرحلة البلوغ التامة التى بدا عندها الاحتلام ( او الحيض)
)

وهذه المرحلة التى عبر عنها الله بقوله تعالى

(وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم )

فلذلك اشتركوا مع الرجال فى الحكم فهى مرحلة تمام البلوغ والتى تترتب عليه الاحكام

ومما سبق يتضح ان مقصود الاية ليس ما يتصوره البعض من ان الله يبيح زواج الاطفال وانما اباح زواج َاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ اى البالغات الاتى لم ياتيهن الحيض

ان الله تعالى لما اخبرنا عن ملك السماوات والارض قال

{لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى} (6) سورة طـه
{لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} (64) سورة الحـج
فلما ذكر الله وَمَا بَيْنَهُمَا دل ذلك على فاصل بينهما بالرغم من اتصالهما ببعض


يبقى السؤال لماذا لم يحدد الله سن الزواج حتى لا يختلط الامر ؟


بما ان الشريعة الاسلامية هى الشريعة التى تناسب جميع الازمنة وجميع الامم
كان لابد لها من المرونة التى تؤهلها لذلك فتجد ان الله ترك حكم تحديد السن بما يتناسب مع احوال الناس وبما يتعارفون عليه فالبنت فى البلاد الحارة تختلف عن البلاد الباردة وتختلف فى حكم الامس عن اليوم عن الغد

( إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه ، فسددوا وقاربوا ، وأبشروا ، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة) رواه البخارى عن ابى هريرة


لذلك ارجو من الله ان اكون قد وفقت فى دحض هذه الشبهة فما كان من توفيق فمن الله وما كان من خطا فمن نفسى

{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (14) سورة الملك