السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين



عالج الإسلام الرقيق معالجة تودي إلى تخفيف وضع الرق المضروب عليه، وتؤدي إلى عتقه جبراً واختياراً. وقد وضع أحكاماً كثيرة في هذا الشأن فصلها الفقهاء أتم تفصيل، وتتلخص هذه الأحكام في المسائل التالية:
1 - وَجَد الإسلام الناسَ يملكون الأرقاء فعالج مشاكل الرقيق بين المالكين معالجة تجعل للرقيق حقوقاً، وتحفظ عليه اعتبار كونه إنساناً كالحر من حيث الصفات الفطرية التي فُطرت في الإنسان. وقد وصى الله تعالى في القرآن الكريم كما وصى الرسول r في الحديث الشريف بالإحسان إلى الأرقاءوبحسنمعاشرتهم. قالتعالى: ]وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ[ وقال r: «اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم، هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم فأطعموهم مما تأكلون، وألبسوهم مما تلبسون، ولا تكلفوهم ما يُغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم» رواه مسلم
2 - حث الإسلام على عتق الأرقاء. فقد جعل عتق الرقبة يساعد الإنسـان على شـكـر نعـم الله الجليلة ويعـينه على اقتحام العقبة قال تعالى: ]فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13)[ والاقتحام الدخول والمجاوزة بشدة ومشقة، والعقبة الشدة. فجعل الأعمال الصالحة عقبة وجعل عملها اقتحاماً لها لما في ذلك من معاناة المشقة ومجاهدة النفس. وفك الرقبة تخليصها من الرق. فحث الله في الآية على عتق الأرقاء. وكذلك حث الرسول على عتق الأرقاء قال r: «أيما رجل أعتق امرأً مسلماً استنقذ الله تعالى بكل عضو منه عضواً من النار» رواه البخاري ومسلم. وبذلك يتبين أن الإسلام رغَّب في عتق الأرقاء وجعل له ثواباً كبيراً.
3 - شرع الإسلام أحكاماً عملية توجب عتق الأرقاء، فقد شرع أحكاماً تجبر على العتق، إذ جعل عتق العبد المملوك للقريب المحرم يتم آلياً بمجرد الملك سواء رضي المالك أم لم يرض، أعتق أم لم يعتق. فكل إنسان يملك قريباً ذا رحم محرم بالشراء أو الإرث عتق عليه قريبه جبراً عنه بمجرد الملك دون حاجة إلى إعتاقه. روى أبو داود عن الحسن عن سمرة أن النبي r قال: «من ملك ذا رحم محرم فهو حر» وجعل تعذيب العبد من تحريق أو قطع عضو أو إفساده أو ضرب العبد ضرباً مبرحاً، جعل ذلك موجباً لعتقه، فإن لم يعتقه سيده عتقه الحاكم جبراً عن سيده. وقال: «من لطم مملوكه أو ضربه فكفارته أن يعتقه» رواه مسلم من طريق ابن عمر. وجعل الإسلام عتق الرقبة كفارة لازمة لكثير من الذنوب. فمن قتل مؤمناً خطأ فكفارته تحرير رقبة مؤمنة ومن حنث في يمينه فمما يكفر خطيئته تحرير رقبة ومن ظاهر من زوجته بأن قال لها أنت عليَّ كظهر أمي ثم عاد إليها فكفارته تحرير رقبة ومن أفسد صوم رمضان بالجماع فكفارته تحرير رقبة. فكل هذه الأحكام للكفارات تلزم المكفر عتق الرقبة.
4- ولم يكتف الإسلام بذلك بل جعل للعبد نفسه طريقة لأن يعمل على عتق نفسه، كما جعل للمالك طريقة يعوض بها عن ثمن العبد. وذلك في بحث المُكاتَب. ورغب الإسـلام في هذا وأمر الله بالقرآن به فقال تعالى: ]وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ[. وإذا كاتب المولى عبده بأن قال له: إن أتيتني بكذا في مدة كذا فأنت حرّ، كان واجباً علي السيد أن يطلق عبده ليعمل، حتى يحصل على المال الذي كاتبه عليه. وكان واجباً عليه أن يعتقه إذا أحضر المال. ولا يصح له أن يرجع عن هذه المكاتبة. وقد عرّف الفقهاء المكاتبة بأنها تحرير المملوك حالاً، ورقبته مآلاً، وإن الكتابة إذا صحت خرج العبد من يد سيده. ومتى أدى البدل خرج من ملك سيده.
5 - جعل في بيت مال المسلمين باباً خاصاً لعتق الأرقاء. إذ جعل الزكاةتصرفلعتق الأرقاء، وجعله أحد الأبواب الثمانية، قال تعالى: ]إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ)التوبة (60)[ فقوله: ]وَفِي الرِّقَابِِ [ يعني عتق الأرقاء
فهذه الأحكام كلها لعتق الأرقاء. ويلاحظ فيها أنها قد سلكت طريقة التوجيه بالحث والترغيب، وطريقة التشريع بالأحكام التي تنفذها الدولة بالقوة إذا لم ينفذها الفرد بدافع تقوى الله. وهي كلها أحكام تؤدي إلى إنهاء الرق من المجتمع.