منقول من http://www.kitabat.com/alkarki_102.htm

أخطاء في تأملات كامل النجار - مصادر القرآن ... ( 4 )



كتابات - نبيـل الكرخي



وقال الدكتور النجار : [(ومعظم قصائده متشبعة بالأفكار الدينية التي ربما أخذها من النصرانية، ففي أحد القصائد يقول:

يوم يأتي الـرحمن وهو رحيم **** إنـه كـان وعـده مأتيـا

" بسم الله الرحمن الرحيم "

رب إن تعف فالمعافـاة ظنـي **** أو تعاقب فلـم تعاقب بريا

عند ذي العرش تعرضون عليه **** يعلم الجهر والسرار الخفيا

وهذه الأبيات تذكرنا بالآية: " إنه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون "

وكذلك الآيات: " سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله إنه يعلم الجهر وما يخفى " )] ، وطبعاً فإنَّ للنصرانية تأثيرها في عقيدة أمية بن أبي الصلت ولكن في شعره من الوصف والتفاصيل ما هو غير موجود لا في النصرانية ولا في اليهودية ، مثل وقوف الناس للحساب وتسبيح الرعد ، وغيرها مما مرّ عليك ، مما يدل قطعاً على تأثره بالاسلام وانه اقتبس ذلك الوصف من القرآن الكريم. ولابد ان القاريء الكريم قد لاحظ التدليس في العبارة السابقة للدكتور النجار فهو يستشهد بأن قصائد أمية متشبعة بالافكار الدينية المأخوذة من النصرانية وياتي بامثلة من القرآن الكريم !!



وقال الدكتور النجار : [(وذكر أبو الحسين بن المنادي في كتاب صفايا حكم الأشعار قال‏:‏ قد صح بين علماء الناس بالشعر وأيام العرب أن مما أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم من شعر أمية بن أبي الصلت قوله‏:‏ لك الحمد والنعماء والملك ربنا وقوله‏:‏ سبحان من سبحت طير السماء له وقوله‏:‏ إله محمد حقًا إلهي وغير ذلك قال‏:‏ وكان أمية يحكي آثار قدرة الله تعالى وما ينتهي إليه أمر الدنيا من الزوال والمعاد وإلى الخلود في الجنة والنار وتسخير الشمس والقمر وغير ذلك على ما كان قد قرأه في الكتب المتقدمة وكان يتوهم أن نبيا سيبعث فيكون هو ذلك فلما بلغه خروج نبينا محمد صلى الله عليه وسلم انقمع وحسده‏.‏)] ، نعم فقد كان امية بن أبي الصلت يترقب ظهور نبي من بلاد الحجاز وكان يظن أنه هو ذلك النبي ، وكان لأمية خلفية فكرية دينية مستندة للنصرانية التي اعتنقها ، ولكن هذا لا يمنع من تأثره بالقرآن واستعارته للعديد من مفرداته أما تأثراً او لغرض مجاراته من اجل التقليل من قيمته الاعجازية بعد أن عجز المشركون عن ان يأتوا بمثله فاندحروا أمام التحدي القرآني لهم.



وقال الدكتور كامل النجار : [(وقال رؤبة بن العجاج وهو يرجز عن قصة أبرهة والفيل:

ومسهم ما مس أصحاب الفيل **** ترميهم بحجارة من سجيل

ولعبت طير بهم أبابيل

" وأرسل عليهم طيراً أبابيل. ترميهم بحجارة من سجيل (سورة الفيل، 3-4) )] ، ورغم أن الدكتور كامل النجار لم يذكر مصدر هذا الشعر ، إلا أننا نعرف بلا شك بأن رؤبة بن العجاج الشاعر هو من التابعين وقد توفي في خلافة ابو جعفر الدوانيقي العباسي سنة 145هـ كما في تاريخ دمشق لأبن عساكر ج18 ص228 ، وتوفي والده العجاج في ايام الوليد بن عبد الملك ، وكان راجزاً أيضاً كما في تاريخ دمشق ج28 ص130. فكيف يدعي الدكتور كامل النجار ان شعر رؤبة بن العجاج المنسوب إليه قد قاله قبل نزول القرآن !!



وقال الدكتور النجار : [(وقال مطرود بن كعب الخزاعي:

المنعمين إذا النجوم تغيرت **** والظاعنين لرحلة الإيلافِ

" لإيلاف قريش. إيلافهم رحلة الشتاء والصيف " ( قريش، 1-2))] ، فأين هو الاقتباس القرآني المزعوم ؟ هل ان ورود كلمة (الايلاف) أو كلمة (رحلة) في القرآن أو الشعر هو دليل على إقتباس القرآن من الشعر ؟!! فهذا الاستنتاج بعيد عن الصواب وغير مقبول على الاطلاق. حيث يبدو أن الدكتور النجار يتناسى أن القرآن قد نزل بلغة العرب.



وقال الدكتور كامل النجار : [(وقال أمية بن أبي الصلت:

كل دين يوم القيامة عند **** الله إلا دين الحنيفة بور

" وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة " ( البينة، 5)

وقال أمية كذلك:

أم من تلظى عليه واقدة **** النار محيط بهم سرادقهـا

" إنا اعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا " ( الكهف، 29)

أم اسكن الجنـة التي وعد**** الأبرار مصفوفة نمارقهـا

" أكواب موضوعة. ومنارق مصفوفة " ( الغاشية 14-15 )

لا يستوي المـنزلان ثم ولا **** الأعمال لا تستوي طرائقها

هما فـريقان فـرقة تدخـل **** الجنـة حفت بهـم حدائقها

وفـرقة منهـم قـد أدخلت **** النـار فساءتهـم مرافقهـا)] ، ومن المعروف ان أمية قد عاصر الاسلام ومات كافراً سنة 8هـ ، وكان يقتبس الكثيرمن مفردات القرآن في شعره ، وهذا هو سبب ورود الكثير من تلك المفردات والتعابير القرآنية في شعره.



وقال الدكتور النجار : [(وقال زيد بن عمرو بن نفيل

وأنت الذي من فَضْلٍ ومَن رحمةٍ **** بعَثتَ إلى موسى رسولاً مناديَا

فقلت له ألا فاذْهب وهارون فادْعُوَا **** إلى اللّه فرعونَ الذيِ كان طاغيا

وقولا له : آأنْتَ سَوَّيتَ هذه بلا **** وَتدٍ ، حتى اطمأنت كما هيا

وقولا له : آأنْتَ رفعت هذه بلا **** عَمَدٍ ، أرفقْ - إذاً - بك بانيَا

" ألم نجعل الأرض مهادا. والجبال أوتادا " (النبأ، 6-7)

" الله الذي رفع السماء بغير عمدٍ ترونها " (الرعد، 2)

وقولا . له : آأنْتَ سوَّيت وَسْطَها **** مُنيراً، إذ ما جَنَّه الليلُ هاديَا

" تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بروجًا وجعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا منِيرًا " (الفرقان، 61)

وقولا له : من يرسلُ الشمس غُدوةً **** فيُصبح ما مست من الأرض ضاحيا

وقولا له : من يُنبتُ الحبَ في **** الثرَى فيصبحُ منه البقلُ يهتزُّ رابيَا

ويُخرج منه حبَّه في رءوسِه **** وفي ذاك آياتٌ لمن كان وَاعيَا

وأنت بفضلٍ منك نجَّيت يونساً **** وقد بات في أضعافِ حوتٍ لياليَا

وإني ولو سبحت باسمك ربنا **** لأكْثِر - إلا ما غفرتَ - خطائيَا

فربّ العبادِ ألق سَيْباً ورحمةً **** علىَّ، وباركْ في بَنيَّ وماليَا

وقال كذلك:

وأسلمت وجهي لمن أسلمـت **** له الأرض تحمل صخراً ثقالاً

دحاها فلما رآها استوت على **** الماء ،أرسى عليها الجبالا

" والأرض بعد ذلك دحاها. أخرج منها ماءها ومرعاها. والجبال أرساها " (النازعات،30-32) )] ، فاما الشعر المنسوب الى زيد بن عمرو بن نفيل حول موسى وهارون (عليهما السلام) فلم يثبت انه له بصورة قاطعة بل قيل أنه لأمية بن أبي الصلت كما في تفسير ابن كثير ج3 ص162 ، وأيضاً في سيرة أبن هشام ج1 ص149. فإذا كانت من شعر امية فقد عرفنا تأثره بالقرآن واستعارته منه. وعلى فرض أن الشعر لزيد بن عمرو بن نفيل فلا يبعد انه سمع قصة موسى وهارون (عليهما السلام) من النصارى كورقة بن نوفل وغيره بالإضافة الى أنه كان من الموحدين الاحناف أي على ملّة إبراهيم الخليل (عليه السلام).



وقال الدكتور النجار : [(ولما توفي زيد بن عمرو بن نفيل رثاه القس ورقة بن نوفل بقصيدة يقول فيها:

بدينك ربًّا ليس رب كمثلِه **** وترككَ أوثانَ الطواغي كما هيَا

وإدراكك الدينَ الذي قد طلبتَه **** ولم تكُ عن توحيدِ ربِّك ساهيَا

فأصبحتَ في دارٍ كريمٍ مقامُها **** تُعلَّلُ فيها بالكرامةِ لاهيا

تُلاقي خليلَ اللّهِ فيها، ولم تكنْ **** من الناسِ جَبَّاراً إلى النارِ هاويَا

" ليس كمثله شيء وهو السميع البصير " ( الشورى 11). و كذلك: " واتخذ الله إبراهيمَ خليلا " (النساء، 125). )] ، وماذا في ذلك فبكل تأكيد فكل موحد يعرف ان الله ليس مثله شيء ، وأيضاً فإنَّ العرب كانوا يطلقون على إبراهيم (عليه السلام) لقب الخليل وهو جد العدنانيين منهم بصورة قطعية.



وقال الدكتور كامل النجار : [(ويقول أمية بن أبي الصلت كذلك:

من الحقد نيران العداوة بيننا **** لئن قال ربي للملائكة اسجدوا

لآدم لما أكمل الله خلقه **** فخروا له طوعًا سجودًا وركد

فقال عدو الله للكبر والشقا ****أطين على نار السموم يسوّد

" وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين " (البقرة، 34)

وكذلك: " قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خيرٌ منه خلقتني من نار وخلقته من طين " (الأعراف، 11) )] ، فمن الواضح جداً ان امية بن ابي الصلت قد اقتبس هذه الفكرة من الاسلام وادخلها في شعره ، وإلا فإن المسيحية واليهودية تخلوا من هذه القصة أي قصة سجود الملائكة لآدم (عليه السلام) وامتناع أبليس عن ذلك. فمن أين اتى أمية بها إن لم يكن من الاسلام !



وذكر الدكتور النجار نماذج اخرى من شعر امية بن ابس الصلت فقال : [(ويقول كذلك:

وأنشأ المزن تدلج بالروايا **** خلال الرعد مرسلة الغوال

ليسقي الحرث والأنعام منها **** سجال الماء حالًا بعد حال

وشق الأرض فانبجست عيونًا**** وأنهارًا من العذب الزلال

" وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه أن اضرب بعصاك الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عينا " (الأعراف، 160)

وقام القسط بالميزان عدلًا **** كما بان الخصيم من الجدال

" ونضع الموازين بالقسط ليوم القيامة " (الأنبياء، 47)

وسيق المجرمون وهم عراة **** إلى دار المقامع والنكال

" لهم مقامع من حديد " (الحج، 21)

وأعطى كل إنسان كتابًا **** مبينا باليمين وبالشمال

ليقرأ ما تقارف ثم يكفا **** حسابًا نفسه قبل السؤال

" فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم إقرءوا كتابيا " ( الحاقة، 19)

" وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول ياليتني لم أوت كتابيا " ( الحاقة، 25)

إلى نارٍ تحش بصم صخر **** وما الأوصال من أهل الضلال

إذا نضجت جلودهم أعيدت**** كما كانت وعادوا في سفال

" كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب " ( النساء، 56)

فهم متلاعنون إذا تلاقوا **** بها لعنًا أشد من القتال

ونادوا مالكًا ودعوا ثبورًا **** وعجوا من سلاسلها الطوال

" وإذا أُلقوا فيها مكاناً ضيقاً مقرنين دعوا هنالك ثبورا " (الفرقان، 13)

إذا استسقوا هناك سقوا حميمًا **** على ما في البطون من الأكال

" كمن هو خالد في النار وسقوا ماءً حميما فقطّع أمعاءهم " (محمد، 15)

ومن خدم بها يسقون منها **** كدر خالص الألوان غالي

وأشربة من العسل المصفى **** ومن لبن ومن ماء السجال

وكأس لذة لا غول فيها **** من الخمر المشعشعة الحلال

على سرر مقابلة عوال**** معارجها أذل من البغال

صفوف متكون لدى عظيم**** بكفيه الجزيل من النوال

" مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهارٌ من ماءٍ غير آسنٍ وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهارٌ من خمرٍ لذة للشاربين وأنهارٌ من عسلٍ مصفى " (محمد، 15)

" يطاف عليهم بكأس من معين. بيضاء لذة للشاربين. لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون " (الصافات ، 45-47)

" على سرر موضونة. متكئين عليها متقابلين. بأكواب وأباريق وكأس من معين " (الواقعة، 15-18)

قال أمية بن أبي الصلت:

مِزاجُها سلسبيلٌ ماؤها غَدَقٌ **** عَذْبُ المذاقةِ لا مِلْحٌ ولا كدرٌ

" عيناً فيها تُسمى سلسبيلا " ( الإنسان 18)

ويقول أمية كذلك:

يدعون بالويل فيها لا خلاق لهم **** إلا سرابيل من قطر و أ غلال

" سرابيلهم من قِطران وتغشى وجوههم النار " ( إبراهيم، 50) )] ، وكما يرى القاريء الكريم فإنَّ هذه الامثلة من شعر امية لا تخرج عن السياق الذي ذكرناه آنفاً ، والذي سنتطرق إليه لاحقاً ايضاً.



وقال الدكتور النجار : [(وقال حاتم الطائي:

أما والــذي لا يعلم السـر غيره**** ويحي العظام البيض وهي رميم

لقد كنت أطوي البطن والزاد يشتهى**** مخافــة يوما أن يقــال لئيم

" وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم " ( يس، 78))] ، فاما الشعر فلم يثبت انه لحاتم الطائي ، فقد قيل انه لحاتم وقيل لغيره كما في لسان العرب لأبن منظور ج12 ص253. وإذا كان قول حاتم حول غحياء العظام هو وجه استدلاله فهو استدلال خاطيء لأن حاتم قد اقتبس إحياء العظام أما من الحنفية أو من النصرانية او اليهودية ، وهي مشتركات في كافة الاديان السماوية ، فإذا ورد ذلك في القرىن الكريم أيضاً فليس معنى ذلك ان القرىن قد أقتبس منهم بل يعني ان لكل هذه الاديان السماوية منبع واحد.



وأورد الدكتور النجار أمثلة من شعر لبيد بن ربيعة : [(وقال لبيد بن ربيعة:

أحمد الله فلا ند له **** بيديه الخير ما شاء فعل

من هداه سبل الخير اهتدى ****ناعم البال ومن شاء أضل

" إن الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء " ( فاطر، 8) )] ، ولبيد كان من الاحناف ، أي انه كان على دين إبراهيم الخليل عليه السلام ، فليس مستغرباً ان يذكر بعض مفاهيم التوحيد في شعره.



وقال الدكتور النجار : [(وقال علقمة بن قرط:

حتى إذا الصبح لها تنفسا **** وإنجاب عنها ليلها وعسعسا

" والليل إذا عسعس. والصبح إذا تنفس " (التكوير، 17-18) )] ، غير ان الدكتور النجار لم يبين من هو علقمة بن قرط ، فغن كان شاعر جاهلي فما الضير من ورود وصف الليل بالعسعس ؟! أليس العرب قد وصفت ذلك في الجاهلية ونزل القرآن بلغتهم وكلامهم ، إذن ما المشكلة في هذا ! ونحن لم نعثر على ترجمة لعلقمة بن قرط ، وليت الدكتور النجار يرشدنا الى ترجمته والمصادر التي اعتمدها باعتباره شاعراً جاهلياً !



وقال الدكتور النجار : [(وقال النابغة الذبياني:

الخالق الباري المصور في **** الأرحامِ ماءً حتى يصير دماً

" هو الخالق الباري المصور له الأسماء الحسنى " (الحشر، 24) )] ، فهذا الشعر لم يثبت انه للنابغة الذبياني بل قال البعض أنه للنابغة دون ان يبينوا من المقصود هل هو الذبياني ام الجعدي ، وقال آخرون أنه لأمية بن أبي الصلت ، ففي تفسير التبيان للشيخ الطوسي ج1 ص244 ورد هذا البيت من الشعر منسوباً لأمية بن أبي الصلت ، وكذلك ورد في تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي ج1 ص217 ، وأمية كما بيّنا قد عاصر الاسلام وتوفي سنة 8هـ واستعار الكثير من مفردات القرآن في شعره ، وقد نسب القرطبي في تفسيره ج18 ص48 هذا البيت من الشعر الى النابغة ويحتمل انه يقصد النابغة الجعدي الذي عاصر الاسلام واعتنقه ، وكذلك فعل الشوكاني في فتح القدير ج5 ص208 إذ نسبه للنابغة ولم يبين من هو المقصود فلعل المقصود هو الجعدي وليس الذبياني. فعلى الدكتور النجار ان يبين لنا المصدر الذي اعتمده بأن نسب هذا البيت للنابغة الذبياني وليس الجعدي ، مع أنَّ الارجح أنه من شعر أمية بن أبي الصلت.



وقال الدكتور النجار : [(وقال تبع اليماني:

قد كان ذو القرنين قبلي مسلماً **** ملكاً تدين له الملوك وتسجد

بلغ المشارق والمغارب يبتغي **** أسباب أمر من حكـيم مرشد

فرأى مغيب الشمس عند مآبها**** في عين ذي خلب وثأط حرقد

والخلب هو الطين

" حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عينٍ حمئة " (الكهف، 86) )] ، وكما هو حال الدكتور النجار فهو لم يذكر ما يشير الى أن تبع اليماني هو من شعراء الجاهلية ، ونحن لم نعثر على ترجمة هذا الشاعر ، فكيف جزم بأن شعره هو أحد مصادر القرآن العظيم !! بل أن تبع اليماني المذكور يعترف في شعره بأنه كان مسلماً فقال : (قد كان ذو القرنين قبلي مسلماً) أي ان ذو القرنين قد سبقه بالاسلام ، وهو ايضاً مسلم ، ولفظة الاسلام لم تكن معروفة في الجاهلية ، مما يعني انه قد اقتبس من القرآن المفردات التي ذكرها في شعره. وقد ذكر ابن كثير هذا الشعر في كتابه البداية والنهاية ج2 ص 124 هكذا : (قد كان ذو القرنين جدي مسلماً ) ، فهو شاعر يماني مسلم يمدح جده الذي أدعى أنه ذو القرنين. وفي كتاب الغدير للعلامة الاميني ج6 ص314 ان الشاعر هو تبع الحميري ، وكذلك ورد اسمه (تبع الحميري) في فتح الباري لأبن حجر العسقلاني ج6 ص273.



وقال الدكتور النجار : [(وقال أمية بن أبي الصلت:

فار تنورهم وجاش بماءٍ **** صار فوق الجبال حتى علاها

" حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين " ( هود، 40) )] ، وهو يسير في نفس السياق حيث أستعار أمية بن ابي الصلت بعض المفردات القرآنية ، ولا ننسى أن أمية بن أبي الصلت قد مات كافراً سنة 8 هـ.



وقال الدكتور النجار : [(وقال أمية بن أبي الصلت عن قصة أهل الكهف:

وليس بها إلا الرقيم مجاوراً **** وصيدهم والقوم في الكهف همدُ

" أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً " ( الكهف، 9)

ويبدو أن كلمة " الرقيم " أُدخلت في الآية دون أن تضيف لمعنى الآية شيئاً إذ أن العرب الذين عاصروا محمد وحتى المفسرين الذين أتوا من بعدهم لم يكوموا يعرفون معنى الرقيم. فلو أخذنا مثلاً تفسير الزمخشري فهو يقول عن الرقيم: " الرقيم اسم كلبهم وقيل‏ هو لوح من رصاص رقمت فيه أسماؤهم جعل على باب الكهف‏.‏ وقيل‏:‏ إن الناس رقموا حديثهم نقراً في الجبل‏.‏ وقيل‏:‏ هو الوادي الذي فيه الكهف‏.‏ وقيل‏:‏ الجبل‏.‏ وقيل‏:‏ قريتهم‏.‏ وقيل‏:‏ مكانهم بين غضبان وأيلة دون فلسطين. " فالذي يقرأ الآية لا يفهم هل الله كان قد قصد أصحاب الكهف والكلب، أم أصحاب لوح الرصاص أم أصحاب الجبل أم أصحاب القرية. ومع ذلك يقول لنا القرآن إنه نزل بلسان عربي مبين.)] ، فالظاهر ان الدكتور النجار قد تاه في متاهاته التي أطلق عليها اسم تأملاته ، فهو من جهة يدعي بأن القرآن قد أخذ قصة أصحاب الكهف من شعر أمية بن أبي الصلت ، ومن جهة اخرى يدعي ان العرب لا يعرفون معنى الرقيم وأن المفسرين قد اختلفوا فيه ، فهلا قال لأمية لماذا استعملت كلمة غير مفهومة في شعرك ! وهلا قال للعرب لماذا تستعملون كلاماً غير مفهوم في كلامكم !! طبعاً هذا كله وهم ، فلا القرآن أخذ قصة أصحاب الكهف من أمية المذكور ، ولا كلمة الرقيم غير مفهومة ، بل كما ذكرنا آنفاً فإنَّ أمية بن أبي الصلت الذي عاصر الاسلام الى أن مات مشركاً سنة 8هـ هو الذي اقتبس من آيات القرآن مفردات وقصص وادخلها في شعره.

واما اختلاف المفسرين في معناها فهو كإختلافهم في الكثير من معاني القرآن الكريم ، قال إبن جرير الطبري في تفسيره (جامع البيان) ج51 ص249 : (وأولى هذه الاقوال بالصواب في الرقيم أن يكون معنيا به : لوح ، أو حجر ، أو شئ كتب فيه كتاب . وقد قال أهل الاخبار : إن ذلك لوح كتب فيه أسماء أصحاب الكهف وخبرهم حين أووا إلى الكهف . ثم قال بعضهم : رفع ذلك اللوح في خزانة الملك . وقال بعضهم : بل جعل على باب كهفهم . وقال بعضهم : بل كان ذلك محفوظا عند بعض أهل بلدهم) ، وقال السيد الطباطبائي رأياً مماثلاً في تفسيره الميزان ج31 ص246 : (وأما تسميتهم أصحاب الرقيم فقد قيل : إن قصتهم كانت منقوشة في لوح منصوب هناك أو محفوظ في خزانة الملوك فبذلك سموا أصحاب الرقيم ، وقيل : إن الرقيم اسم الجبل الذي فيه الكهف ، أو الوادي الذي فيه الجبل أو البلد الذي خرجوا منه إلى الكهف أو الكلب الذي كان معهم أقوال خمسة ، وسيأتي في الكلام على قصتهم ما يؤيد القول الاول) ، وقال الشيخ الطريحي في (مجمع البحرين) ج2 ص212 : (قوله تعالى ( إن أصحاب الكهف والرقيم ) الآية ، الرقيم : لوحان من نحاس مرقوم فيهما أي مكتوب أمر الفتية وأمر إسلامهم وما أراد منهم دقيانوس الملك ، وكيف كان أمرهم وحالهم). وقال العلامة المجلسي في بحار الانوار ج54 ص189 : (الرقيم : في الاصل الكتاب ، فعيل بمعنى مفعول). فالامر ليس بالغموض الذي ادعاه الدكتور النجار.

وكلمة الرقيم هي كلمة عربية فصيحة وليس كما يحاول الدكتور النجار ان يوهم ، وقد تحدث أبن جرير الطبري عن اشتقاقها اللغوي في تفسيره في الموضع آنف الذكر فقال : (. وإنما الرقيم : فعيل . أصله : مرقوم ، ثم صرف إلى فعيل ، كما قيل للمجروح : جريح ، وللمقتول : قتيل ، يقال منه : رقمت كذا وكذا : إذا كتبته ، ومنه قيل للرقم في الثوب رقم ، لانه الخط الذي يعرف به ثمنه . ومن ذلك قيل للحية : أرقم ، لما فيه من الآثار والعرب تقول : عليك بالرقمة ، ودع الضفة : بمعنى عليك برقمة الوادي حيث الماء ، ودع الضفة الجانبة . والضفتان : جانبا الوادي . وأحسب أن الذي قال الرقيم : الوادي ، ذهب به إلى هذا ، أعني به إلى رقمة الوادي).



وكرر الدكتور النجار نفس التيه المذكور آنفاً ، فهو من جهة يدعي بان القرآن قد أستعمل مفردات غير مفهومة في لغة العرب ثم يعود ليقول بأن شعراء الجاهلية قد استعملوا تلك المفردات ، ومع ذلك فهو يصر على انها مفردات غير مفهومة من قبل العرب ؟!! فقال ما نصّه : [(وقال أمية بن أبي الصلت:

حفوا رءوسهمُ لم يحلقوا تفثاً **** ولم يسلوا لهم قملاً وصئبانا

وفي بيت أخر يقول:

ساخين آباطهم لم يقذفوا تفثاً **** وينزعوا عنهم قملاً وصئبانا

وذكر الماوردي في تفسيره بيتاً ثالثاُ:

قضوا تفثاً ونحباً ثم ساروا **** إلى نجدٍ وما انتظروا عَليّا

" ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق " ( الحج، 29)

ومرة أخرى يبدو أن كلمة " تفثهم " أُخذت من الشعر وأُدخلت في الآية إذ أن العرب لم يكونوا يعرفون معنى هذه الكلمة. قال الأزهري: التفث: الأخذ من الشارب وقص الأظافر ونتف الإبط وحلق العانة. وقال النضر بن شميل: التفث في كلام العرب: إذهاب الشعث. وقال: سمعت الأزهري يقول: التفث في كلام العرب لا يعرف إلا من قول ابن عباس وأهل التفسير. وقال الحسن: هو إزالة قشف الإحرام. وقيل التفث: مناسك الحج كلها. رواه ابن عمر وابن عباس. قال ابن العربي: هذه اللفظة غريبة لم يجد أهل العربية فيها شعراً ولا أحاطوا بها خبراً " يعني بصريح العبارة أن الكلمة لم تكن معروفة للعرب الذين عاصروا القرآن، وأن ابن عباس وبقية المفسرين أعطوها معنى من سياق الآية فقط. وهذا يساند القول بأن القرآن مأخوذ من الشعر الجاهلي لأنه لا يُعقل أن يخاطب الله العرب ويدعوهم إلى الإيمان بلغة لا يفهمونها. )] ، ونتمنى لو يوضح الدكتور النجار كيف انه يتهم شعراء الجاهلية بانهم كانوا يستعملون مفردات غير مفهومة في لغة العرب ؟!! ثم يتهم القرآن بانه أخذ تلك المفردات غير المفهومة واستعملها ، وهو ما لم يتجرّأ على قوله أيٍ من أعداء الاسلام فيما سبق لأنه يعني ان العرب كانوا يتكلمون بكلام غير مفهوم !!!



وأورد الدكتور النجار مثالاً من شعر الاعشى فقال : [(وقال الأعشى (أعشى بني قيس ) عن سد مأرب:

وفي ذاك للمؤتسي أسوة **** ومأرب عفى عليها العرم

رخام بنته لهـم حمـير **** إذا جـاء مـواره لم يرم

فأروى الزروع وأعنابها **** على سعة ماؤهم إذ قسـم

فصاروا أيادي ما يقدرو **** ن منه على شرب طفل فطم

" فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتهم جنتين " ( سبأ، 16) )] ، فكما ترون فإنَّ الدكتور النجار يستغل ورود مفردة واحدة في شعر الاعشى هي مفردة (العرم) ليقول أن القرآن قد أقتبس قصصه من شعر الجاهلية ؟! متناسياً ان القرآن قد نزل بلغة عربية مبينة ومن الطبيعي ان ترد فيه مفردات من كلام العرب وشعرهم ، كيف لا ترد مثل تلك المفردات وقد نزل القرآن بلسانهم ولغتهم واستعمل مفرداتهم !



وقال الدكتور النجار : [(وقال أمية بن أبي الصلت:

ظلال بين أعناب ونخل و **** بنيان من الفردوس عالي

" وجعلنا فيها جناتٍ من نخيل وأعنابٍ وفجرنا فيها من العيون " ( يس 34)

لهم ما يشتهون وما تمنـوا **** من اللـذات فيها والجمـال

ومن إستبرق يكسـون فيها **** عطايا جمة من ذي المعالي

" متكئين على فُرش بطائنها من إستبرقٍ وجنى الجنتين دانٍ " ( الرحمن 54) )] ، وهي استعارات لبعض مفردات القرآن الكريم من قبل أمية بن أبي الصلت المتوفى سنة 8هـ.



وقال الدكتور النجار : [(وقال أمية في وصف الجنة"

إن الحدائق في الجنان ظليلة **** فيها الكواعب سدرها مخضود

" وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين. في سدر مخضوض " ( الواقعة، 27-28)

ولما تشكك بعض الأعراب في هذا الوصف للجنة وقال أحدهم لمحمد: يارسول الله كيف يكون في الجنة شجر مؤذي ؟ سأله الرسول: وأي شجر هذا ؟ فقال له: السدر! فإن لها شوكاً مؤذي. رد عليه محمد: " ألم تقرأ أنه سدر مخضود، فقد خض الله شوكه فجعل مكان كل شوكة ثمرة، فإنها تنبت ثمراً يفتق الثمر منها عن اثنين وسبعين لوناً من الطعام." وقال الضحاك ومجاهد ومقاتل بن حيان: " في سدر محضود " وهو الموقر حملاً. وقال سعيد بن جبير: ثمرها أعظم من القلال. ويقول ابن كثير في تفسيره: قال ابن عباس وعكرمة ومجاهد وأبو الأحوص وقسامة بن زهير والسفر بن قيس والحسن وقتادة وعبد الله بن كثير وغيرهم: هو الذي لا شوك فيه. وعن ابن عباس: هو الوقر بالثمر. وفي رواية أخرى أن النبي قال: " إن الله يجعل في مكان كل شوكة منها ثمرة مثل خصوة التيس الملبود، فيها سبعون لوناً من الطعام لا يشبه لون الآخر ." ويظهر من هذا أن المفسرين لا يتفقون على معنى كلمة " مخضود "، هل هي كثيرة الثمر أم التي لا شوك بها ؟ أما المنجد فيقول في تفسير كلمة " خض ": ( خضض الجارية: زيّنها بالخضض، والخضض هو الخرز الأبيض. خض وخاض مخاضةً: بايعه معارضةً. الخضض: السقط في المنطق، يقال " منطق خضض" أي غير صحيح." ومخض اللبن: أخرج زبده، فهو لبن مخيض. ومخض الشيء: حرّكه شديداً. ومخض بالدلو: ضرب بها في ماء البئر لتمتلئ. ومخض البئر بالدلو: أكثر النزع منها بدلائه. ومخضت الحامل: دنت ولادتها.) فواضح هنا أن العرب استعملوا كلمة خضَ ومخضود استعمالاً غير الذي جاءت به الآية. والمفسرون لم يتفقوا على معنى الكلمة في الآية، فلا بد أن القرآن أخذها من الشعر الجاهلي دون الرجوع إلى معناها.)] ، فالاية الكريمة هي (( في سدر مخضود )) وليس مخضوض كما ذكره الدكتور النجار ، وهو تحريف متعمد للآية الكريمة ومعناها ، حيث انه بعد ذلك بحث في قاموسه المنجد عن معنى كلمة (خض) بدلاً من ان يبحث عن معنى كلمة (خضد) لأنها أصل (مخضود) وليس (مخضوض) ، فكان معنى (خض) في قاموسه المنجد مختلفاً عن معنى الاحاديث وأقوال المفسرين لكلمة (مخضود) وبذلك أتهم القرآن بانه مخالف للغة العرب وانه يستعمل الكلمات العربية بصورة مخالفة لما تعارف العرب على استعمالها ، فهل رأيتم أشنع من هذا التحريف والخداع !



ومن التمويه الظاهر ان يتهم الدكتور النجار القرآن بأنه ماخوذ من شعر أمية بن أبي الصلت ويذكر لهذا شواهد منها قول امية في شعره (فيها الكواعب سدرها مخضود) ثم يتهم القرآن بانه اخذ الكلمة (مخضود) من الشعر الجاهلي دون الرجوع للمعنى مع ان أستعمالها واحد في الشعر والقرآن حيث جاءت في القرآن وفي شعر أمية في معرض الوصف للسدر. وسبق ان بينّا ان أمية بن ابي الصلت كان ياخذ مفردات القرآن وتعابيره ليستعملها في شعره في محاولة يائسة منه لمعارضة القرآن وصرف أذهان الناس عنه.



وقال الدكتور النجار : [(ولم يقتصر شغف محمد بالشعراء فقط، فقد تعداهم إلى الخطباء المشهورين وقتها، مثل قس بن ساعدة الأيادي، الذي سمعه النبي يخطب بعكاز فأعجب به. وقد سبق قس بن ساعدة الأيادي محمد بعدة تعابير أتى بها القرآن فيما بعد. فقد قال قس في إحدى خطبه: " شرق وغرب، ويتم وحزب، وسلم وحرب، ويابس ورطب، وأجاج وعذب، وشموس وأقمار، ورياح وأمطار، وليل ونهار، وإناث وذكور، وبرار وبحور، وحب ونبات، وآباء وأمهات، وجمع وأشتات، وآيات في إثرها آيات، ونور وظلام، ويسر وإعدام، ورب وأصنام‏.‏ لقد ضل الأنام، نشوّ مولود، ووأد مفقود، وتربية محصود، وفقير وغني، ومحسن ومسيء، تباً لأرباب الغفلة، ليصلحن العامل عمله، وليفقدن الآمل أمله، كلا بل هو إله واحد، ليس بمولود ولا والد، أعاد وأبدى، وأمات وأحيا، وخلق الذكر والأنثى، رب الآخرة والأولى‏.‏ أما بعد‏:‏ فيا معشر إياد، أين ثمود وعاد‏؟‏ وأين الآباء والأجداد‏؟‏ وأين العليل والعواد‏؟‏ كل له معاد، يقسم قس برب العباد، وساطح المهاد، لتحشرن على الانفراد، في يوم التناد، إذا نفخ في الصور، ونقر في الناقور، وأشرقت الأرض، ووعظ الواعظ، فانتبذ القانط، وأبصر اللاحظ‏.‏ فويل لمن صدف عن الحق الأشهر، والنور الأزهر، والعرض الأكبر، في يوم الفصل، وميزان العدل، إذا حكم القدير، وشهد النذير، وبعد النصير، وظهر التقصير، ففريق في الجنة، وفريق في السعير ".)] ، ويبدو ان الدكتور النجار شَعَرَ بان ما اتى به من إتهامات للقرآن غير كافية لذلك لجا الى إتهام جديد بأنه مأخوذ من خطب العرب في الجاهلية ! مع أنه في بداية بحثه (مصادر القرآن) لم يذكر أن من مصادر القرآن الخطب النثرية ! بل أكتفى بأن نسب القرآن للـ (الأساطير أو قصص الميثولوجيا والكتب السماوية التي سبقته والشعر الجاهلي. ) ! فأما التشابه بين مفردات القرآن الكريم وبين بعض ما ورد في خطب قس بن ساعدة الايادي فامر طبيعي لأنهما كلامان عربيان أولاً ولأنهما مطابقان لما ورد في الحنيفية دين إبراهيم (عليه السلام) ثانياً ، فمن الطبيعي ان تتشابه المفردات العربية والآفكار والمباديء فيهما ، لأن التوحيد هو محورهما جميعاً ، وتميز القرآن الكريم بنظمه المعجز الذي يميزه عن خطب قس بن ساعدة المسجوعة وفقاً لعادة الخطباء العرب.



وقال الدكتور النجار : [(وتعبيراً عن امتنانه للفائدة القصوى التي جناها محمد من الشعراء والخطباء، فقد رووا عنه أحاديث تفيد بأنه رأى قس بن ساعدة و زيد بن عمرو بن نفيل وورقة بن نوفل في الجنة. وقال إن أمية بن أبي الصلت كاد أن يؤمن.)] ، وهذا خلط متعمد من قبل الدكتور النجار ، فإنَّ ورقة بن نوفل لم يكن شاعراً ولا خطيباً ، وكذلك زيد بن عمرو بن نفيل !



وختم الدكتور النجار كلامه عن مصادر القرآن بقوله : [(وقد روى شعبة عن يعلي بن عطاء عن نافع بن عاصم عن عبد الله بن عروة في قول الله " واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ عنها " قال هو صاحبكم أمية بن أبي الصلت. وقال إنه كان قد اتصل إليه علم كثير من علم الشرائع المتقدمة ولكنه لم ينتفع بعلمه فإنه أدرك زمان رسول الله (ص) وبلغته أعلامه وآياته ومعجزاته وظهرت لكل من له نصيرة ومع هذا اجتمع به ولم يتبعه وصار إلى موالاة المشركين ومناصرتهم وامتداحهم ورثى أهل بدر من المشركين بمرثاة بليغة، قبّحه الله. وقد جاء في بعض الأحاديث أنه ممن آمن لسانه ولم يؤمن قلبه فإن له أشعاراً ربانية وحكماً وفصاحة ولكنه لم يشرح الله صدره للإسلام.

وفي الوقت الذي رأى فيه هؤلاء في الجنة، رأى محمد أباه، عبد الله بن عبد المطلب في النار، فلما سأله أحد الأعراب عن والده قال له: إن أبي وأباك في النار " خرّجه مسلم في صحيحه. ولما استأذن أن يستغفر لأمه لم يؤذن له فاستأذن أن يزور قبرها فأذن له " خرّجه مسلم في صحيحة. فلماذا ياتُرى، يدخل والداه النار بينما يدخل ورقة بن نوفل الجنة ؟)] ، وكما هو واضح فانه لا توجد صلة بين موضوع مصادر القرآن وبين موضوع إدعاء أن والد النبي (صلى الله عليه وآله) في النار وهو ما ننفيه أصلاً ، فسواء كان عبد الله بن عبد المطلب في النار او في الجنة فما هي علاقة هذا بمصادر القرآن ؟! هل هو مجرد تشويش على القاريء لصرف ذهنه عن الاخطاء العديدة في أفكار الدكتور كامل النجار ؟