الفتن التي تواجه الفتاة المؤمنة.. والدور المأمول منها.. أمران متلازمان..
فالإنسان - مهما يكن - ابنُ بيئته.. والزهرة التي تصارع الصخور لتشقها.. ليست كتلك التي تتفتح في مرجٍ نضير..!

وهل تستوي من كانتْ تعيش واقعًا يجذبها إلى السفاسف - وأكثر فتياتنا كذلك -.. هل تستوي هي ومن تدرج في مرابعِ الهدى والفلاح..؟!
وحتى تلك التي يُهيأ الله لها في بيتها مناخًا إيمانيًا رائعًا.. وتتقلبُ في أعطاف محضنٍ تربوي مُطَمئن.. حتى هذه ستصير من "القابضات على الجمر" بمجرد دخولها سور المدرسة أو بوابة الجامعة..

وإذن..
فالفتاة التي تعي معنى أن تكون مؤمنةً ذات رسالة هي في زماننا أمام واقعٍ يضغط بثقله.. ويعصف بزوابعه.. ويُشعر بمعنى أن تكون غريبةً في دنيا موحشة..!!

لستُ أرمي إلى تعزيز الشعور بـ " العزلة الشعورية " بين الفتاة ومحيطِها..
فهذا من الخطأ الذي نُمارسه كثيرًا.. عندما نجعل حرارة " الغربة " دافعةً إلى الانكفاء على النفس والبكاء على الأطلال.. بدلاً من العمل على جعل المُجتمع حولنا "وطنًا" . والناس فيه إخوةٌ ومواطنون..

مرة أخرى : لستُ أرمي إلى تعزيز "العزلة الشعورية" .. وإنما أحاول التأكيد على أن إدراك حجم التحدي مُعينٌ - بعون الله - للواعيات على النهوض بدورهن.. ومُشعرٌ بأن ظلام التكليف يعقبه فجرُ الأجر - كما في مقولة ابن الجوزي رحمه الله -..

هذا في شأن العمل للدين عمومًا..
لكننا إذا تأملنا ميادين هذا العمل والبذل بين الفتيات وفي مجتمعات المرأة علمنا أن الحاجةَ أشد.. والبذلَ أوجب.. والميدانَ أرحب..
ونظرةٌ واحدةٌ على لقاءات النساء أو اهتماماتهن كفيلةٌ بإدراك حجم المسؤولية الملقاة على عاتق الأخوات.. اللاتي هُن خير من يتصدى لبنات جنسهن..
فالرجال من المريخ - كما قيل - والنساء من الزُهرة.. وصاحباتُ الزُهرة أدرى بشعابها..!

وإن مجتمع المرأة المسلمة - على تباين مستوياته تبعًا لتباين المحيط به - لن يزال محتاجًا لفتيات "رائدات".. يكن طلائع الدعوة.. وشعاع الفجر..
واللاتي يكن كذلك.. فهن - بإذن الله - [... أعظم درجةً من الذين أنفقوا من بعد الفتح...].. أو من بعد أن يملأ نور الحق الكونَ..!

إننا نحتاج إلى ترسيخ هاته القناعة في ذهن كل فتاة.. (أعني قناعة أن للطلائع من الأجر - إن شاء الله وتقبل - ما ليس للتابعين والتابعات..)

وهناك أيضًا قناعةُ أخرى أحسبها مهمة وهي ( توسيع مفهوم العمل للدين.. وتقريبه إلى كل مسلمٍ ومسلمة..)

فالبذل للدين ليس حكرًا على فئة لها صفاتٌ محددة ما لغيرها في مضمار الخير نصيب..!

والعطاء للدين ( الذي هو قرينُ الانتماء إليه ) ليس من مسؤولية فتاةٍ ذات طقوسٍ معينة أو هيئة محددة.. بل هو - وأقولها بكل ثقة - من مسؤولية صاحبة العباءة التي على الكتف.. وأمانةٌ في عنق من تسمع الغناء، ولا ترتدي قفازاتٍ ولا جوارب..!!

نعم.. البذل للدين كذلك.. كما فهمه الصحابة - رضي الله عنه -.. ومن فهمتْ أنه مقصورٌ على ذوات الحجاب الكامل أو محصورٌ في من لا تُشاهد التلفاز ولا تسمع الغناء فلتعلم أن هذا من تلبيس الشيطان عليها..
الشيطان الذي يُريد أن نضيف إلى ذنوبنا ذنوبًا من ترك العمل للدين.. ويفرح حين نزيد إلى أوزارنا أثقالاً من التبلد والجمود القاتل..!
وهو الشيطانُ نفسُه الذي يزيد جمر الذنوب توقدًا بالفهم الخاطئ. بدلاً من إطفائها بماء العمل للدين الذي يغمر نيران التقصير..!

إن الأمة مُحتاجة لبطل كأبي دجانة - رضي الله عنه - الذي ما عاقه شربُ الخمر ليلة القتال عن الجهاد وبذل الروح صباح تطاير الرؤوس في القادسية..!

وإن الأمة تتوق إلى عاقلٍ ككعب بن مالك - رضي الله عنه - الذي أراد أن يُكفَّر عن ذنب تخلفه عن الغزو بتمزيق كتاب ملك الغسساسنة.. يوم دعاه إلى نعيم الدنيا بدلاً عن هجران الأصحاب والخلان..!

والقرآن يقص علينا نبأ رجل ( جاء من أقصى المدينة يسعى ).. ليخبر موسى بائتمار الطغاة عليه.. ويُقدم خدمةً جليلة - بقدر الله - إلى نبي الله عليه السلام.. ولاحظن أنه ( رجل ) هكذا.. نكرة.. لم يحدثنا القرآن عن التزامه.. ولا عن هيئته.. ولا عن لحيته وثوبه - بل ربما كان مقصرا مذنبًا - إلا أنه ( مؤمن ) وكفى..!
فكان عمله لدينه قرينًا لإيمانه به..!

وإن الأمة ظامئةٌ لفتاةٍ تقهر شيطانها.. فلا تقعد عن تفقد أحوال جيرانها المساكين - مثلا - بحجةِ أنها غارقةٌ في وحل الغناء..!


ثم..

إنه لا شئ - يُعينُ على اجتناب الخطايا - بعد توفيق الله - مثل إشغال النفس بالصالحات.. بلا ترددٍ ولا تلكؤ.. ولا استجابةٍ لكيد شيطانٍ مريد..!

وكلنا ذاك البشر ذو الخطايا..!

لن أضرب أمثلةً على مجالات العمل للدين.. لأنها أكثر من أن تُحصر أولاً..
ولأنه إذا ما استقر هذا الفهم في القلب.. سهل - يقينًا - البحث عن الوسائل المُعينة على أدائه..

فإنه لا يعوزنا كثرةُ وسائل ولا أساليب..
بقدر ما نشكو من هزال القناعات واختلال المفاهيم..!

[ ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله.. وعمل صالحًا.. وقال إنني من المُسلمين]
***
م ن ق و ل