النوع الثالث والعشرون: المُدْرَج


وهو على أقسام.

القسم الأول:


ما ذكر في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من كلام بعض رواته بأن يَذْكر الصحابي أو غيره كلامًا لنفسه فيرويه مَنْ بَعْدَه موصولا بالحديث غير فاصل بذكر قائله فيلتبس الأمر على مَنْ لا يعرف حقيقة الحال فيتوهم أن الجميع من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد يقع ذلك في آخر الحديث وهو الأكثر أو في وسطه أو في أوله وهو قليل نادر.

مثال الإدراج في أول الحديث: ما رواه الخطيب البغدادي [‏عَنْ‏‏ أَبِي هُرَيْرَةَ ‏‏ قَالَ ‏‏قَالَ رَسُولَ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏‏أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ وَيْلٌ ‏‏لِلْأَعْقَابِ‏ ‏مِنْ النَّارِ] فقوله [‏‏أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ ] مدرج من قول أبى هريرة كما في رواية البخاري واحمد [حَدَّثَنَا ‏هُشَيْمٌ ‏عَنْ ‏شُعْبَةَ ‏عَنْ ‏مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ ‏عَنْ ‏‏أَبِي هُرَيْرَةَ ‏‏ قَالَ ‏‏مَرَّ بِقَوْمٍ يَتَوَضَّئُونَ فَقَالَ أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ فَإِنِّي سَمِعْتُ ‏‏أَبَا الْقَاسِمِ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ‏وَيْلٌ ‏‏ لِلْأَعْقَابِ ‏مِنْ النَّارِ] .

مثال الإدراج في وسط الحديث: ويكون السبب فيه استنباط الراوي حكما من الحديث أو تفسير بعض الألفاظ الغريبة أو غير ذلك :
فمن الأول: ما رواه الدارقطني [ عن هشام بن عروة عن أبيه عن بُسْرَة قالت سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ أو أُنْثَيَيْهِ أو رُفْغَيْهِ فليتوضأ ] رواه الدارقطني 546 من رواية عبد الحميد بن جعفر.
ولفظة أُنْثَيَيْهِ أو رُفْغَيْهِ مدرجة في الحديث من كلام عروة غير مرفوع لأنه كان يرى أن حكمهما حكم الذَّكَر فظن بعضهم أنه من الحديث.

ومن الثاني : ما رواه البخاري ومسلم‏ [ ‏‏حَدَّثَنَا ‏يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ‏ ‏قَالَ حَدَّثَنَا ‏اللَّيْثُ‏ ‏عَنْ ‏عُقَيْلٍ ‏عَنْ ‏ابْنِ شِهَابٍ ‏عَنْ ‏عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْر ِعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ‏أَنَّهَا قَالَتْ أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏مِنْ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ‏ ‏فَلَقِ ‏‏الصُّبْحِ ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلَاءُ وَكَانَ يَخْلُو ‏بِغَارِ حِرَاءٍ ‏فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ ‏ـ وَهُوَ التَّعَبُّدُ‏ ـ ‏اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ ‏قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ ‏إِلَى أَهْلِهِ وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى ‏‏خَدِيجَةَ ‏فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي ‏غَارِ حِرَاءٍ ‏] رواه البخاري 3 و مسلم 422 من حديث عائشة في بدء نزول الوحي.

فقوله ( وهو التعبُّد ) مدرج من قول الزهري.
مثال الإدراج في آخر الحديث: ما رواه الترمذي وابن ماجة [عن خَبَّاب بن الأَرَتِّ قال لولا أنى سمعت رَسُولَ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏يقول لا تَمَنَّوُا الموت لتمنيتُ وقال يؤجر الرجل في نفقته كلها إلا التراب أو قال في البناء] رواه الترمذي 2671 وابن ماجة 4302.
والسياق هكذا يشير إلى أن الكلام الأخير من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ظن ذلك المباركفوري شارح الترمذي وليس كذلك وإنما هو من كلام خَبَّاب بن الأَرَتِّ كما جاء مُفَسَّرًا في البخاري 5734 .

القسم الثاني:


أن يكون جملة الحديث عند الراوي بإسناد إلا طرفًا منه فإنه عنده بإسناد آخر فَيُدْرِجُهُ مَنْ رواه عنه على الإسناد الأول فيروى الحديثين بالإسناد الأول.

مثاله حديث رواه سعيد بن أبى مريم عن مالك عن الزهري عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تنافسوا..
فقوله ولا تنافسوا مدرج أدرجه ابن أبى مريم من حديث آخر لمالك عن أبى الزناد عن الأعرج عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تجسسوا ولا تنافسوا..
وكلا الحديثين رواهما البخاري ومسلم من طريق مالك وليس في الأول ولا تنافسوا وهى في الثاني البخاري 6143 و 6135 ومسلم 6701 و 6703.

القسم الثالث:


أن يروى حديثا عن جماعة بينهم اختلاف في إسناده أو متنه فلا يذكر الاختلاف بل يُدْرِج روايتهم على الاتفاق.
مثاله ما رواه الترمذي من طريق عبد الرحمن بن مهدي [عن سفيان الثوري عن واصل ومنصور والأعمش عن أبى وائل عن عمرو بن شُرَحْبِيل عن عبد الله قال قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم قال أن تجعل لله ندًّا وهو خلقك قال قلت ثم ماذا قال أن تقتل ولدك خشية أن يَطعم معك قال قلت ثم ماذا قال أن تزني بحليلة جارك] رواه الترمذي 3482 و 3483. فرواية واصل مدرجة على رواية منصور والأعمش لأن واصلا لا يذكر فيه عمرو بن شُرَحْبِيل بل يجعله عن أبى وائل عن عبد الله .
وقد بَيَّنَ الإسنادين معا يحيى بن سعيد القطان في روايته عن سفيان وفصل أحدهما عن الآخر. وقد أجمع أهل الحديث والفقه على أنه لا يجوز تَعَمُّد شيء من الإدراج حتى قال ابن السمعاني مَنْ تعمد الإدراج فهو ساقط العدالة ومِمَّن يُحَرِّف الكَلِمَ عن مواضعهِ وهو مُلْحَقٌ بالكذَّابين . وقد صنف الخطيب البغدادي في المدرج كتابه الفصل للوصل المدرج في النقل ولخصه الحافظ ابن حجر وزاد عليه قدره مرتين وأكثر في كتاب سماه تقريب المَنْهَج بترتيب المُدْرَج .