بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شكراً لمولانا الشيخ عمر ، تقبل الله منا ومنه ، ولنكمل على بركة الله
تقول الآية الكريمة عن هذه الواقعة :اقتباس:
السؤال الرابع: ألم يخطأ النبي يوسف عندما نوى نية سيئة في قلبه مع زوجة الملك في قصره؟ رغم أن الأنبياء معصومون،
أو لأن يوسف بن يعقوب لم يكن نبياً في تلك الفترة؟
وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ( 24 ) يوسف
وسيدنا يوسف :salla-s: لم يكن ينوي شيء سيء لا سمح الله
بل ان ما حدث ، وما بينه القرآن الكريم قوله :
" وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ " .
والهم كما هو في اللغة : هو حديث النفس بالشيء .
ومما لاشك فيه أن امرأة العزيز كانت ترغب في سيدنا يوسف :salla-s: ، وبناءاً عليه راودته عن نفسه :
وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ( 23 ) يوسف
فما حدث من سيدنا يوسف هو الهم ، الذي تقتضيه النفس البشرية ، والتي خلقت وجبلت عليه .
وسيدنا يوسف رجل ، مكتمل الرجولة ، ليس به عيب أو نقيصه تمنعه مما تقتضيه العادة التي خلق الله الناس عليها ان يميل الرجل للمرأة ، وأن تميل المرأة للرجل
فهذه حاجات فسيولوجية أولية ، توجد عند كل إنسان عادي صحيح سليم ، يخلو من اي سقم او شذوذ و علة او مانع .
فقد مالت النفس البشرية بطبيعتها ، كما يميل الجائع او العطشان للطعام أو للماء ، فهذا هو الطبيعي .
وإن لم يحدث ذلك ، فهذا هو غير الطبيعي .
ولكن هناك فيصل يا سيدتي الفاضلة في هذا الأمر ، ألا وهو توجه هذا الشخص ، وتوجيه الله له ، وكيفية تصريف الأمر وقتها .
فلكون سيدنا يوسف :salla-s: من انبياء الله ، وله ما له من الأنبياء من عصمه ، و مما لا يمكن الوقوع فيه منهم ، وما لا يجوز في حقهم ، كان تصرفه في الأمر ، وتعقيبه على ذلك
فما حدث منه انه هم فقط لا اكثر ولا اقل ، بما تقتضيه طبيعة النفس البشرية ، ولكنه لم يرتكب ما يتطلبه هذا الهم بعد ذلك ، لأن رؤية البرهان من الله كانت سابقة ، ومنعته من ذلك ، والدليل قوله :
وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ( 24 ) يوسف
فمنه نستدل على ان برهان ربه قد سبق همه ، لم يفعل ما تقتضيه الظروف بعد ذلك
ولو تأملنا في الآية لنظرنا إلى " لَوْلَا " فهي حرف امتناع جواب لوجود شرط ، ومع امتناع الجواب هذا يكون التقدير ان لولا حفظ الله ورعايته ليوسف، وعصمته له لخالطها وأمضى ما حدثته نفسه به .
وهو ما نوه عليه الكثير من اهل العلم المعروفين يقدراتهم اللغوية الواسعة ، مثل الزمخشري رحمه الله إذ قال :
وقوله - تعالى - { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ } معناه: ولقد همت بمخالطته؛ " وهم بها " أى: وهم بمخالطتها { لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ } جوابه محذوف تقديره؛ لولا أن رأى برهان ربه لخالطها، فحذف لأن قوله وهم بها يدل عليه، كقولك: هممت بقتله لولا أنى خفت الله. معناه: لولا أنى خفت الله لقتلته. [1]
حتى ان سياق الآيات نفسها يبين براءة سيدنا يوسف :salla-s: من هذه الأمور ، وبأكثر من دليل :
الأول :
امتناعه الشديد ووقوفُه أمامها بكل صلابه وعزم { قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ إِنَّهُ رَبِّيۤ أَحْسَنَ مَثْوَايَ.. }.
الثاني:
فراره منها بعد أن غلَّقت الأبواب وشدّدت عليه الحصار { وَٱسْتَبَقَا ٱلْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ... }.
الثالث:
إيثاره السجن على الفاحشة { قَالَ رَبِّ ٱلسِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِيۤ إِلَيْهِ... }.
الرابع:
ثناء الله تعالى عليه في مواطن عديدة { إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُخْلَصِينَ } و { آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً }
فهل يكون مخلصاً لله من همَّ بفاحشة الزنى؟.
الخامس:
شهادة الطفل الذي أنطقه الله وهو في المهد بالحجة الدامغة { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ... } الآية.
السادس:
اعتراف امرأة العزيز ببراءته وعفته { وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَٱسَتَعْصَمَ... }.
السابع:
استغاثته بربه لينجيه من كيد النساء { فَٱسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ.. }.
الثامن:
ظهور الأمارات الواضحة والبراهين الساطعة على براءته وإِدخالِهِ السجن لدفع مقالة الناس { ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ ٱلآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّىٰ حِينٍ }.
التاسع:
عدم قبوله الخروج من السجن حتى تبرأ ساحته من التهمة { ٱرْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ ٱلنِّسْوَةِ ٱللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ... }؟.
العاشر:
الاعتراف الصريح من امرأة العزيز والنسوة ببراءته { قَالَتِ ٱمْرَأَتُ ٱلْعَزِيزِ ٱلآنَ حَصْحَصَ ٱلْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدْتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ ٱلصَّادِقِينَ }. وكفى بذلك برهاناً على عفته ونزاهته!! والله يقول الحقَّ وهو يهدي السبيل. [2]
وقد روى بعض المفسرين بعض الآثار تحكي عن ان يوسف عليه السلم قد جلس بين شعاب زوجة العزيز مجلس الرجل من أمرأته ، إلى آخر هذا الشطط من القول ، وهي اقوال واهية ، ولم تثبت لا من حيث الأسانيد ، او متونها المتضاربة ، والتي لا دليل عليها اصلا لا من اللغة ولا من سياق الآيات التي تعارضها .
وقد تكلم فيها الكثير من اهل العلم ، ولو شئتني لتناولناها بتفصيل ، ولكن انقل لحضرتك الخلاصة :
وما قاله الشيخ سيد طنطاوي رحمه الله عليه في التفسير :
هذا وهناك أقوال أخرى لبعض المفسرين فى معنى الآية الكريمة، رأينا أن نضرب عنها صفحا؛ لأنه لا دليل عليها لا من العقل ولا من النقل ولا من اللغة... وإنما هى من الأوهام الإِسرائيلية التى تتنافى كل التنافى مع أخلاق عباد الله المخلصين، الذين على رأسهم يوسف - عليه السلام. [3]
والشيخ المحقق محمد ابو شهبه :
وهذه الأقوال التي اسرف في ذكرها هؤلاء المفسرون أما اسرائيليات وخرافات وضعها زنادقة أهل الكتاب القدماء ، والتي ارادوا بها النيل من الأنبياء والمرسلين ، ثم حملها معهم اهل الكتاب الذين اسلموا وتلقاها عنهم بعض الصحابة ، والتابعين بحسن نية ، او اعتماد على ظهور كذبها وزيفها .
وإما ان تكون مدسوسة على هؤلاء الأئمة ، دسها عليهم اعداء الاديان ، كي تروج تحت هذا الستار ، وبذلك يصلون الي ما يريدون من افساد العقائد ، وتعكير صفو الثقافة الاسلامية الاصيلة الصحيحة ، وهذا ما اميل إليه . [4]
وإليك هذا الرد من شيخنا الشعراوي رحمه الله
http://www.youtube.com/watch?v=U5ZYyWycuuE
يتبع
______________
[1] نقله الشيخ سيد طنطاوي رحمه الله بتلخيص عن الزمخشري رحمه الله في تفسير الوسيط 12 / 56 .
[2] صفوة التفاسير 6 / 218 ( نسخة خاصة مهداة وليست متداولة للبيع ) .
[3] الوسيط 12 / 55 .
[4] الإسرائليات والموضوعات في كتب التفسير 224 .