أمر خالق الأكوان كل إنسان باتباع الإسلام و ترك ما سواه من الأديان
أمر خالق الأكوان كل إنسان باتباع الإسلام و ترك ما سواه من الأديان
بسم رب العالمين خالق السماوات والأراضيين منزل الكتب على رسله عليهم أزكى الصلوات والتسليم ، وعلى من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين و بعد :
فقد دلت الفطرة و العقل و النقل على وجود الله عز وجل ، و أنه خالق الأكوان ، وخالق الإنس والجان ، و البشر مفطورة على عبادته سبحانه إلا من تدنست فطرته ببعض الشبه ،ومن رحمة الله بنا أن بعث سبحانة إلينا الرسل لنعرف كيفية عبادته ، ونعرف ما يحب سبحانه فعله فنفعله و ما يحب سبحانه تركه فنتركه و ما يسخط سبحانه من فعله فنتركه و ما يسخط سبحانه من تركه فنفعله ، ولعلمه سبحانه بأن الرسل بحاجة لتأييد ليعرف الناس أنهم من قبله أيد الله رسله بالآيات الدالة على صدقهم ، وجعل الآيات الدالة على صدقهم من جنس ما أبدع فيه قومهم ،و نحن نجد الكثير من الأديان ومعلوم ألا يوجد دينان صحيحان في نفس الوقت فكيف بالعديد من الأديان ؟! ، و قد يتبع الشخص اليهودية أو النصرانية أو الإسلام أو البوذية أو غير ذلك ، هنا يأتي الدين الإسلام بوجوب اعتناقه دون ما سواه من الأديان ، وأنه هو الدين الخاتم ، ولا يجوز عبادة الله بغيره ،و إذا ثبت صحة الإسلام ثبت ما أخبر به ، وكان من يعتنق غيره من الأديان كافرا ، والأدلة على صحة الإسلام كثيرة لذلك غير المسلمين الواجب عليه الدخول في دين الإسلام و إلا كانوا كفارا فعزمت على كتابة سفر يبين ذلك حرصا على هداية الناس للحق و اسميت سفري : (( أمر خالق الأكوان كل إنسان باتباع الإسلام و ترك ما سواه من الأديان )) فقرأ هذا السفر بتجرد للحق فإن كان الحق معي فستغنم ، وإن تركت ما دعوتك له فستندم ، و لو لم يكن الحق معي فلست عليك بوكيل
أدلة صدق النبوة ، والرد على منكري النبوات
أدلة صدق النبوة ، والرد على منكري النبوات
اقتضت حكمت الله تأييد الأنبياء والرسل بالأدلة الدالة على صدقهم إذ الرسل بحاجة لتأييد ليعرف الناس أنهم من قبل الخالق جل و علا فلا بد أن يأيدهم الله بالأدلة الدالة على صدق دعوتهم كتأييدهم بالمعجزات ، وتأييد الخالق رسله بالمعجزات من كمال عدله ورحمته ومحبته للعذر وإقامته للحجة علىالعباد، إذ لم يبعث الخالق رسولا من الرسل إلا ومعه آية تدل على صدقه فيما أخبربه،ومن عظيم حكمة الخالق أن جعل معجزات رسله من جنس ما أبدع فيه القوم المرسلإليهم، إمعاناً في الحجة، وقطعاً للعذر، فلو جعلت معجزة الرسول في أمر يجهله منأرسل إليهم ، لكان لهم عذر في عدم إحسان ما يجهلونه ،و قد شهد التاريخ بالعديد من الرسل كموسى عليه السلام الذي أرسل في قوم كان السحر شائعا بينهم ، فآتاه الخالق من الآيات مافاق به قدرة السحرة على أن يأتوا بمثله ، و يجب ألا نخلط بين الأمر الخارق للعادة مع دعوى النبوة الذي هو المعجزة و بين الأمر الخارق للعادة مع الاستقامة والصلاح و عدم دعوى النبوة و هي الكرامة فالمعجزة هي الأمر الخارق للعادة ، وكذلك الكرامة في عرف أئمة أهل العلم المتقدمين إلا أن المعجزة تقترن بدعوى النبوة و الكرامة لا تقترن بذلك [1] ، و من يقول لا نثبت الكرامة ؛ لأننا لو أثبتنا الكرامات لاشتبه الساحر بالولي و الولي بالنبي ؛ لأن كل واحد منهم يأتي بخارق فالجواب لا يمكن الالتباس ؛ لأن الكرامة على يد ولي ، والولي لا يمكن أن يدعي النبوة ، ولو ادعاها لم يكن و ليا . أية النبي تكون على يد نبي ، والشعوذة و السحر على يد عدو بعيد من ولاية الله ، وتكون بفعله باستعانته بالشياطين فينالها بكسبه بخلاف الكرامة فهي من الله تعالى لا يطلبها الولي بكسبه [2] و كل عاقل يميز بين سيرة الساحر و الدجال والكذاب و بين سيرة النبي الصالح ، وكل إناء بما فيه ينضح فالنبي لابد أن يأتي بما أمرت به الأنبياء من التوحيد والعدل والصدق ، ويخبر بيوم الجزاء و بما أعد الله تعالى للصالحين و ما توعد به الكافرين و الفاسقين و الساحر لا يأمر بخير و الدجال كذلك مثله لا يحول إلا حول مال أو رياسة أو جاه أو منصب ولابد أن يثبت كذب المتنبيء الكاذب وصدق النبي الصادق الصالح [3] إذن يشترط للمعجزة أن تكون أمر خارق للعادة مع دعوى النبوة و دعوة الناس لعبادة الله تمييزا لهؤلاء الرسل عن غيرهم ممن تحدث لهم بعد الخوارق لكنهم لايدعون لعبادة الخالق ولا لدين الخالق ، بل سحرة خبثاء ، ومن هنا ندرك كذب من يقول المعجزة ليست دليلا على صحة نبوة مدعي النبوة لظهور الخوارق على أيدي بعض الناس غير الأنبياء إذ يستحيل ظهور أمر خارق للعادة مع دعوى النبوة ،و يكون مدعيها كاذب فالتأييد بالمعجزة مع دعوى الرسالة إن لم يكن مدعيها نبي فهذا تأييد من الله لمدعيها الكاذب و هذا لايجوز في حق الله ،فتحتم أن يكون ظهور المعجزة مع دعوى الرسالة دليل على صدق النبوة و قد اتفقت الكتب والشرائع على أنّ الله جل وعلا لا يؤيّد الكذّاب عليه، بل لا بُدّ أن يظهر كذبه، وأن ينتقم منه، و لو أن حاجب الأمير قال للناس :إن الأمير قد أمركم بفعل كذا وكذا . فإن الناس يعلمون أنه لا يتعمد الكذب في مثل هذا وإن لم يكن بحضرته ، فكيف إذا كان بحضرته ، والله لا يغيب عنه شيء قال ابن القيم : (( وقد جرت لي مناظرة بمصر مع أكبر من يشير غليه اليهود بالعلم والرياسة، فقلت له في أثناء الكلام: أنتم بتكذيبكم محمدا صلى الله عليه وسلم قد شتمتم الله أعظم شتيمة. فعجب من ذلك، وقال: مثلك يقول هذا الكلام! فقلت له: إسمع الآن تقريره، إذا قلتم: إن محمدا ملك ظالم قهر الناس بسيفه وليس برسول من عند الله، وقد أقام ثلاثا وعشرين سنة يدعي أنه رسول الله أرسله إلى الخلق كافة، ويقول: أمرني الله بكذا ونهاني عن كذا وأوحى إلي كذا؛ ولم يكن من ذلك شيء، ويقول: إنه أباح لي سبي ذراري من كذبني وخالفني ونساءهم وغنيمة أموالهم وقتل رجالهم، فلا يخلو إما أن تقولوا أن الله سبحانه كان يطلع على ذلك ويشاهده ويعلمه، أو تقولوا أنه خفى عنه ولم يعلم به، فإن قلتم لم يعلم به نسبتموه إلى أقبح الجهل وكان من علم ذلك أعلم منه، وإن قلتم بل كان ذلك كله بعلمه ومشاهدته واطلاعه عليه فلا يخلو إما أن يكون قادرا على تغييره والأخذ على يديه ومنعه من ذلك، أولا، فإن لم يكن قادرا فقد نسبتموه إلى أقبح العجز المنافي للربوبية، وإن كان قادرا وهو مع ذلك يعزه وينصره ويؤيده ويعيه ويعلى كلمته، ويجيب دعاءه ويمكنه من أعدائه ويظهر على يديه من أنواع المعجزات والكرامات ما يزيد على الألف ولا يقصده أحد بسوء إلا أظفره به ولا يدعوه بدعوة إلا استجابها له فهذا من أعظم الظلم والسفه الذي لا يليق نسبته إلى آحاد العقلاء فضلا عن رب الأرض والسماء؛ فكيف وهو يشهد له بإقراره على دعوته وبتأييده وبكلامه وهذه عندكم شهادة زور وكذب فلما سمع ذلك قال معاذ الله أن يفعل الله هذا بكاذب مفتر بل هو نبي صادق من اتبعه أفلح وسعد ))[4] وليس التأييد بالمعجزات وحسب هو الدليل على صدق النبوة فالبيئة أيضا التي وجد فيها مدعي النبوة تكون أيضا دليلا على النبوة إذ الحاجة لوجود نبي مع ظهور مدعي النبوة و تأييده بالمعجزات دليل على صدق النبوة إذن من علامات صدق النبوة أن تظهر في زمان في حاجة إلى نبي ،فحاجة الزمان إلى نبي تكون مؤذنة بظهور نبي لسد هذه الحاجة ، و هذه من رحمة الله بعباده ، ولذلك كثرة بعثة الأنبياء في بني إسرائيل ، وذلك لكثرة فسادهم وعصيانهم وتمردهم، فاحتاجوا إلى الإصلاح دائما، فكانت الرسل والأنبياء تأتيهم واحداً بعد الآخر على فترات قريبة وربما اجتمع أكثر من نبي في فترة واحدة ليذكروهم وينهوهم عن غيِّهم وانحرافاتهم وما أحدثوه من فساد بعد موسى عليه السلام. وقد اعتبر اليهودُ كثرة الرسل والأنبياء فيهم ميزة ومفخرة لهم على سائر الأمم، ولكنهم مغرورون ؛ لأن كثرة الأنبياء والرسل دلالة على كثرة الفساد الذي انتشر فيهم. ذلك أن الله يرسل رسله لتذكير الناس وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، ألا ترى إلى المريض الذي تعددت أمراضه كيف يكثر حوله الأطباء؟ فلا حجة لهم يوم القيامة ، والقول بأن ظهور نبي في وقت الناس يحتاجون فيه لنبي ليس دليل على صدق النبوة قول باطل إذ ظهور نبي في وقت يحتاج فيه الناس لنبي مع التأييد بالمعجزات فهذا إقرار من الله لهذا النبي ، والله لا يقر الكاذب عليه بل يخذله ويفضحه ،وليس ظهور المعجزات مع دعوى النبوة و الدعوة إلى عبادة الله و الحاجة لوجود نبي هي الأدلة فقط على صدق النبوة بل سيرة مدعي النبوة و أخلاقه مع دعوى النبوة دليل على صدق النبوة فأخلاق الإنسان شاهدة عليه ، و الخُلق هيئة راسخة بالإنسان لا تنفك عنه فلا يستطيع من شيمته الكذب أن يكذب تارة ويصدق تارة، ومن اعتاد الصدق حتى اشتهر به بين الناس وصار علمًا عليه فلا يكذب على الله سبحانه وتعالى إذ كيف لا يكذب على الناس و يكذب على رب الناس ، و الأخلاق الحسنة والفضائل العليا مع دعوى الرسالة لدليل على صدقها فالكاذب تفضحه أخلاقه وتكشفه جرائمه، أما النبي الصادق فتلوح عليه علامات الصدق وتزينه الأخلاق الحسنة ويجافيه سيئها،ومن المعلوم ضرورة أنه لا يمكن لرجل كاذب، مداوم على الكذب، ويدعي كل يوم أنه أتاه وحي جديد من الله تعالى، ومع هذا لم يستطع أحد أن يلاحظ ذلك عليه ويعرف حقيقته ، فإنه من كان في قلبه خلاف ما يبطن فلا بد أن يزل، وأن تعرف حقيقته بفلتات لسانه ولحن قوله، و من أدلة صدق النبوة نصر الله لمدعي النبوة فالله جل وعلا لا يؤيد أو ينصر الكذابين فما دام مدعي النبوة قد نصره الله فهذا دليل على صدقه لإقرار الله لدعوته ،و نخلص مما سبق أن أدلة صدق النبوة يستحيل أن ينتحلها غير نبي ، ولم نر يوما ، ولم نسمع يوما أن شخصا ادعى النبوة ،و هو ليس بنبي و قد ظهرت على يديه المعجزات و دعى الناس لعبادة خالق الأرض و السماوات ، و لم نر يوما ، و لم نسمع يوما أن شخصا ادعى النبوة ، و هو ليس بنبي في وقت الناس بحاجة لنبي و قد فقه الله بل نجد خذلان الله له ، و لم نر يوما ، و لم نسمع يوما أن شخصا ادعى النبوة ، و هو ليس بنبي و كان على خلق قويم وصدق ، و لم نر يوما ، و لم نسمع يوما أن شخصا ادعى النبوة ، و هو ليس بنبي و قد نصره الله بل الخذي والبهتان وما مسليمة الكذاب منا ببعيد ، وما يستدل به منكري النبوات إما حدوث خوارق للعادات على أيدي غير مدعي النبوة كالصالحين والمشعوذين فهي خارج عن محل النزاع فمحل النزاع دعوى النبوة مع ظهور الخوارق ، وقد يستدل منكري النبوة بادعاء بعض الكذبة النبوة ولا تجد لهم من الله توفيقا ، ومحل النزاع دعوى النبوة مع توفيق الله للمدعي و صدق المدعي في القول والعمل و ظهور الصلاح عليه .
[1] - تهذيب شرح الطحاوية للدكتور محمد صلاح الصاوي ص 83
[2] - شرح العقيدة الواسطية لابن عثيمين ص 618 - 619
[3] العقائد السلفية لأحمد بن حجر آل بوطامي ص 424
[4] - هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى لابن القيم ص 87
أدلة صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم و الرد على المنكرين نبوته
أدلة صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم و الرد على المنكرين نبوته
يذكر التاريخ بأن هناك شخص اسمه محمد بن عبد الله قال بأنه رسول من عند الله في وقت كانت البشرية بحاجة لنبي ، وقد عرف بين قومه بالصدق والأمانة حتى لقب بالصادق الأمين ، وقد أيد بالعديد من المعجزات و نصره الله و أظهر دينه و الناس مازالوا يدخلون في الدين الذي دعى له أفواجا بل و هناك بشارات من كتب أهل الكتاب المحرفة على صدق دعوته صلى الله عليه وسلم و نأتي لدليل الأول على صدق النبوة ألا وهو ظهور دعوى النبوة في وقت البشر كانوا بحاجة لنبي فقد كان العرب قبل الإسلام في جاهلية يعبدون الأصنام، ويقدمون لها القرابين، فجاء الإسلام وحررهم من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، حيث لم يكن هناك دين يوحد العرب في الجاهلية فكان منهم من يدين بالمسيحية ومنهم من يدين باليهودية ومنهم من يعبد الأوثان وكان يسود النظام القبلي فقد كانت القبائل تقاتل بعضها بعضا من أجل العيش ،و انتشر الظلم والفساد والانحراف في حياة الناس ولم يكن الخلاص إلا برسالة النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم فجاء محمد صلى الله عليه وسلم بدين الإسلام وانتشل العرب من هذه الحالة وصنع منهم أعظم أمة عرفتها البشرية ، وإن قيل غاية قولكم أن النبي مصلح اجتماعي فالجواب المصلح الاجتماعي لا يدع الناس إلى دين سماوي و عبادة الله وحده لا شريك له ، ولا يأتي بدين فيه صلاح الدنيا والآخرة ، فدعوته من دعوة الرسل وليست من دعوة المصلحين ، والدليل الثاني على صدق نبوته صلى الله عليه وسلم اتصاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفة الصدق والإمانة و قد كان محمد صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا ، وقد جمع الله له من أوصاف المدح والثناء ما تفرق في غيره، و قد صانه الله سبحانه وحفظه من أدنى وصف يعاب صاحبه، فلم يستطيع أعدائه الذين يتربصون به ويقفون في طريق دعوته مؤذين له محذرين منه تحصيل شيء يعيبونه به وأنى لهم ذلك، وقد شهدوا بصدقه وأمانته وهما الغاية من الأخلاق ،و الاتصاف بالصدق و الاشتهار به بين الناس مع دعوى النبوة لدليل ساطع على نبوته صلى الله عليه وسلم إذ كيف لا يكذب على الناس و يكذب على الله ؟!! و الدليل الثالث على صدق نبوته صلى الله عليه وسلم هي سيرته العطرة قال ابن حزم : (( إن سيرة محمد صلى الله عليه وسلم لمن تدبرها تقتضي تصديقه ضرورة، وتشهد له بأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حقا، فلو لم تكن له معجزة غير سيرته صلى الله عليه وسلم لكفى ))[1] فالنبي محمد صلى الله عليه وسلم نشأ أميا ، لا يقرأ ولا يكتب، ومات كذلك و كان في بلاد جهل ولم يخرج عن تلك البلاد قط إلا خرجتين: إحداهما إلى الشام وهو صبي مع عمه إلى أول أرض الشام ورجع ؛ والأخرى أيضا إلى أول الشام، ولم يطل بها البقاء، ولا فارق قومه قط. و قد عرف عند قومه جميعاً بالصدق والأمانة، ولم يكن على علم بشيء من الدين، ولا الرسالات السابقة، ومكث على هذا أربعين سنة من عمره،ثم أتى بدين الإسلام و نزل عليه القرآن وقد جاء هذا القرآن بمعظم أخبار الرسالات السابقة وقص أخبارها بأدق تفاصيلها كأنه عايشها، وجاءت هذه الأخبار تماماً كما هو موجود في التوراة التي أنزلت على موسى، والإنجيل الذي أنزل على عيسى ، ولو وجد اليهود والنصارى في القرآن خلاف ما عندهم من الأخبار لروجوا ذلك و شنعوا فقد كانوا يتربصون به الدوائر ،و قد عودي صلى الله عليه وسلم ثم مكنه الله رقاب العرب كلها، فلم تتغير نفسه، ولا تغيرت سيرته، إلى أن مات ودرعه مرهونة في شعير لقوت أهله أصواع ليست بالكثيرة ولم يبيت قط في ملكه دينار ولا درهم، وكان يأكل على الأرض ، و قد مات صلى الله عليه وسلم بعد أن علم الدنيا كيف تعبد ربها و اخرج العباد من جور الأديان إلى عدل الإسلام ، و آخى بين المسلمين و بين للناس ما يصلح دينهم ودنياهم فهل وجد في البشرية من وضع للبشر علوما تصلحهم دينا ودنيا أفرادا و جماعات و شعوب ثم يكون هو الذي يتولى تنفيذها و إصلاح أمة كبيرة بها و يتم له النجاح في ذلك بنفسه في عصره ؟ !! ، وهل وجد أحد من البشر قد وحد أمة مثل العرب خلال عشر سنوات ، والأمة العربية و قتئذ كانت أكثر الأمم شقاقا و تفرقة و عداءا و كثر فيها شرب الخمر و الزنا والقتل والنهب ؟!! و لم يكن محمد عليه الصلاة والسلام موحدا فقط فهناك محمد النبي ومحمد القائد ومحمد الملك ومحمد المقاتل ومحمد التاجر ومحمد الواعظ أو البشير ومحمد الحكيم ومحمد رجل الدولة ومحمد الخطيب ومحمد المصلح والمجدد ومحمد ملاذ اليتامى ومحمد حامي العبيد ( الرقيق ) والمدافع عنهم ومحمد محرر النساء ومحمد القاضي ،و عظمة شخصيته صلى الله عليه وسلم تكمن في تنقية وتطهير أمة مشربة بالهمجية والتخلف ومنغمسة في ظلام أخلاقي مطلق ، وينهض بأمة بأكملها غارقة في الحضيض – كما كان حال العرب – ويجعلهم حملة مشاعل الحضارة والمدنية والتعليم ، و تكمن عظمة شخصيته صلى الله عليه وسلم أيضا في توحيد العناصر المتنافرة والمتضاربة والمتشاكسة والمختلفة في المجتمع برابطة الأخوة والإحسان ، والخلاصة أن اتحاد صفة وضع النظريات والتنظيم والقيادة و الدعوة إلى الله و دعوى النبوة لدليل ساطع على صدق نبوته عليه الصلاة والسلام و الدليل الرابع على صدق نبوته صلى الله عليه وسلم نصر الله له مع دعوى النبوة فمن أبلغ أدلة صدق النبي صلى الله عليه وسلم إقرار الله لدعوته والله لا يقر الكاذب عليه بل يخذله ويفضحه ، وقد قاتل الكفار من أجل إعلاء لا إله إلا الله و كانت له الغلبة و هكذا الرسل تجاهد و يكون لهم النصر ،و لم يتوفاه الله حتى أكمل رسالته ، و إن قيل هناك الكثير ممن قاتلوا وانتصروا على من قاتلوهم فلا يكون النصر دليل على صدق النبوة فالجواب أن هؤلاء الذين قاتلوا وانتصروا لم يدعوا إلى عبادة الله ،و دين فيه صلاح البشرية دينا و دنيا ، و لم تكن له جميع الصفات التي كانت في النبي محمد صلى الله عليه وسلم فلو سلمنا أنهم نجحوا كقادة فلم ينجحوا في تهذيب النفوس البشرية و لم ينجحوا في دعوة الناس لعبادة رب البرية ، وكيف يجوز على الله الحكيم الخبير أن يأتي رجلٌ يخبر بالأخبار ويدعي بأنه رسول الله، ثم تتوالى عليه الانتصارات والإمدادات، ويموت منتصراً وقد ظهرت دعوته؟ و الدليل الخامس على صدقة النبوة الإخبار ببعض الغيبيات وتحققها فقد سمح الله لهذه الأخبار أن تقع ، تصديقاً وتأييداً لنبوة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، و لا سبيل إلى معرفة هـذه الغيوب إلا ممن هي في يده، وهو الله جل وعلا عالم الغيب والشهادة، مثل الإخبار عن أويس بن عامر فقد قال صلى الله عليه وسلم : (( إن خير التابعين رجل يقال له أويس . وله والدة . وكان به بياض . فمروه فليستغفر لكم ))[2] و كان عمر بن الخطاب ، إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن ، سألهم : أفيكم أويس بن عامر ؟ حتى أتى على أويس . فقال : أنت أويس بن عامر ؟ قال : نعم . قال : من مراد ثم من قرن ؟ قال : نعم . قال : فكان بك برص فبرأت منه إلا موضع درهم ؟ قال : نعم . قال : لك والدة ؟ قال : نعم . قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ، ثم من قرن . كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم . له والدة هو بها بر . لو أقسم على الله لأبره . فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل " . فاستغفر لي . فاستغفر له . فقال له عمر : أين تريد ؟ قال : الكوفة . قال : ألا أكتب لك إلى عاملها ؟ قال : أكون في غبراء الناس أحب إلي . قال : فلما كان من العام المقبل حج رجل من أشرافهم . فوافق عمر . فسأله عن أويس . قال : تركته رث البيت قليل المتاع . قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن . كان به برص فبرأ منه . إلا موضع درهم . له والدة هو بها بر . لو أقسم على الله لأبره . فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل " فأتى أويسا فقال : استغفر لي . قال : أنت أحدث عهدا بسفر صالح . فاستغفر لي . قال : استغفر لي . قال : أنت أحدث عهدا بسفر صالح . فاستغفر لي . قال : لقيت عمر ؟ قال : نعم . فاستغفر له . ففطن له الناس . فانطلق على وجهه . قال أسير : وكسوته بردة . فكان كلما رآه إنسان قال : من أين لأويس هذه البردة ؟[3] ، و من الإخبار بالغيب الإخبار عن قتال التتار فقد قال صلى الله عليه وسلم : (( بين يدي الساعة تقاتلون قوماً ينتعلون الشعر وتقاتلون قوما كأن وجوههم المجان المطرقة ))[4] ووجوه التتار كالمجان المطرقة أي وُجُوههمْ كالتُّرْسِ لِبَسْطِهَا وَتَدْوِيرهَا وَكالْمِطْرَقَةِ لِغِلَظِهَا وَكَثْرَة لَحْمهَا و من الإخبار بالغيب الإخبار عن شهادة عمر وعثمان رضي الله عنهما فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحداً، ومعه أبو بكر، وعمر، وعثمان، فرجف بهم، فضربه برجله، وقال : (( أثبت أحد، فإنما عليك نبي، وصِدّيق، وشهيدان)) [5] ، وقد قتل عمر و عثمان ، و من الإخبار بالغيب الإخبار بمقتل علي رضي الله عنه فعن أبي سنان الدؤلي رحمه الله تعالى، أنه عاد علياً رضي الله عنه في شكوى له شكاها، قال: فقلت له : لقد تخوّفنا عليك يا أمير المؤمنين في شكواك هذه، فقال: لكني ـ والله ـ ما تخوّفت على نفسي منه، لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادق المصدوق يقول: (( إنك ستُضرب ضربةً ههنا، ويكون صاحبها أشقاها، كما كان عاقرُ الناقة أشقى ثمود ))[6] ومن الإخبار بالغيب إخباره عن مشاركة أم حرام فى أول غزو للبحر و وفاتها قبل غزو مدينة قيصر ففى خبر أم حرام بنت ملحان ، سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول: (( أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا )). قالت أم حرام: قلتُ: يا رسول الله أنا فيهم؟ قال: (( أنتِ فيهم )). ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم )). فقلتُ: أنا فيهم يا رسول الله؟ قال: (( لا )) [7]. ومن الإخبار بالغيب الإخبار بموت أبي ذر الغفاري رضي الله عنه في فلاة فعن إبراهيم بن الأشتر أن أبا ذر لما حضره الموت وهو بالربذة فبكت امرأته فقال: ما يبكيك؟ فقالت: أبكي أنه لا يد لي بنفسك وليس عندي ثوب يسع لك كفناً، قال: لا تبكي فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض تشهده عصابة من المؤمنين". قال: فكل من كان مع في ذلك المجلس مات في جماعة وقرية، ولم يبق منهم غيري، وقد أصبحت بالفلاة أموت، فراقبي الطريق فإنك سوف ترين ما أقول، فإني والله ما كَذبت ولا كُذبت، قالت: وأنى ذلك وقد انقطع الحاج، قال: راقبي الطريق، قال: فبينا هي كذلك إذا هي بالقوم تخب بهم رواحلهم كأنهم الرخم، فأقبل القوم حتى وقفوا عليها فقالوا: ما لك؟ فقالت: امرؤ من المسلمين تكفنوه وتؤجرون فيه، قالوا: ومن هو؟ قالت: أبو ذر، ففدوه بآبائهم وأمهاتهم ووضعوا سياطهم في محورها يبتدرونه، فقال: أبشروا فأنتم النفر الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكم ما قال، ثم أصبحت اليوم حيث ترون، ولو أن لي ثوباً من أثوابي يسع لأكفن فيه فأنشدكم بالله لا يكفني رجل منكم كان عريفاً أو أميراً أو بريداً فكل القوم قد نال من ذلك شيئاً إلا فتى من الأنصار كان مع القوم، قال: أنا صاحبك، ثوبان في عيبتي من غزل أمي وأحد ثوبي هذين الذين علي، قال: أنت صاحبي فكفنه الأنصاري في النفر الذين شهدوه منهم حجر بن الأدبر ومالك الأشتر في نفر كلهم يمان.[8] ، ومن الإخبار بالغيب نعْيُه لقادة مؤتة الثلاثة - وقد استشهدوا في الشام - وهو في المدينة ، فعن أنس : (( نعى النبي صلى الله عليه و سلم زيداً وجعفراً وابنَ رواحة للناس قبل أن يأتيَهم خبرُهم ، فقال: أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذ جعفر فأصيب، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب، وعيناه تذرفان؛ حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله، حتى فتح الله عليهم[9] ومن الإخبار بالغيب الإخبار عن النساء الكاسيات العاريات في زماننا فقد قال صلى الله عليه و سلم : صفتان من أهل النار لم أرهما وذكر منهما : ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رءوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا [10] ،و من الإخبار بالغيب إخباره عن ظهور أول القرأنيين منكرى السنة قال صلى الله عليه و سلم : ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحِلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرِّموه [11] و إن قيل الإخبار بالغيب ليس دليل على النبوة لاحتمال الكهانة فالجواب الإخبار بالغيب إذا اقترن بدعوى النبوة فهو دليل على النبوة لا الكهانة إذ الكهانة ليس فيها دعوى النبوة و شخصية النبي الصادق تختلف عن شخصية الكاهن الكاذاب ، والنبي الصادق خبره يطابق ما سيحدث أما الكاهن فخبره قد يوافق بعض الذي سيحدث أو لا يوافق الذي سيحدث ، و ما هدف النبي محمد –صلى الله عليه وسلم- من إدعاء النبوة ؟فمن يقرأ سيرته يجده لا يرغب في سلطة ولا مال ولا جاه ،و لما يجازف النبي صلى الله عليه وسلم و يقول سيحدث كذا و الدليل السادس على صدق النبوة تكثير الطعام حتى يكفي طعام الواحد الجمع الغفير من الناس فعن عبد الواحد بن أيمن ، عن أبيه ، قال : أتيت جابراً فقال : إنا يوم الخندق نحفر فعرضت كدية شديدة فجاؤوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : هذه كدية[12] عرضت في الخندق ، فقال : " أنا نازل" . ثم قام وبطنه معصوبة[13] بحجر ، ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقا [14]، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم المعول فضرب فعاد كثيباً أهيل أو أهيم [15]. فقلت : يا رسول الله ائذن لي إلى البيت . فقلت لامرأتي : رأيت بالنبي صلى الله عليه وسلم شيئاً ما كان في ذلك صبر ، فعندك شيء ؟ قالت : عندي شعير وعناق ، فذبحت العناق [16]وطحنت الشعير حتى جعلنا اللحم في البرمة[17] ، ثم جئت النبي صلى الله عليه وسلم والعجين قد انكسر[18] و البرمة بين الأثافي[19] قد كادت أن تنضج ، فقلت : طعيم لي فقم أنت يا رسول الله ورجل أو رجلان . قال : " كم هو " ؟ فذكر له ، فقال : " كثير طيب ، قال لها لا تنزع البرمة و لا الخبز من التنور حتى آتي " . فقال : " قوموا" فقام المهاجرون والأنصار . فلما دخل على امرأته قال : ويحك ! جاء النبي صلى الله عليه وسلم بالمهاجرين والأنصار و من معهم . قالت : هل سألك ؟ قلت : نعم فقال : " ادخلوا ولا تضاغطوا " . فجعل يكسر الخبز ويجعل عليه اللحم ويخمر[20] البرمة والتنور إذا أخذ منه ، ويقرب إلى أصحابه ، ثم ينزع . فلم يزل يكسر الخبز ويغرف حتى شبعوا وبقي بقية . قال " كلي هذا وأهدي ، فإن الناس أصابتهم مجاعة"[21] و إني أسأل من الذي أيد النبي صلى الله عليه وسلم بهذه المعجزة ، و لو كان هذا سحرا لما شبع الناس فالسحر تخييل ؟ و من معجزاته صلى الله عليه وسلم أيضا نبع الماء من بين أصابعه الشريفة فعن جابر بن عبد الله قال : عطش الناس يوم الحديبية ، والنبي صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة[22] فتوضأ ، فجهش[23] الناس نحوه ، فقال : ( ما لكم ) . قالوا : ليس عندنا ماء نتوضأ ولا نشرب إلا ما بين يديك ، فوضع يده في الركوة ، فجعل الماء يثور بين أصابعه كأمثال العيون ، فشربنا وتوضأنا . قلت : كم كنتم ؟ قال : لو كنا مائة ألف لكفانا ، كنا خمس عشرة مائة [24]. و إني أسأل من الذي أيد النبي صلى الله عليه وسلم بهذه المعجزة ، و لو كان هذا سحرا لما شرب الناس وتوضأوا الناس فالسحر تخييل ؟ و من معجزاته صلى الله عليه وسلم أيضا سماع تسبيح الطعام بين يدى رسول الله صلى الله عليه و سلم فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: كنا نعد الآيات بركة، وأنتم تعدونها تخويفاً، كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرٍ، فقل الماء، فقال: اطلبوا فضلة من ماء، فجاءوا بإناءٍ فيه ماء قليل، فأدخل يده في الإناء، ثم قال: حي على الطهور المبارك، والبركة من الله، فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل [25] ، و من معجزاته صلى الله عليه وسلم أيضا سماع الصحابة بكاء جذع النخلة و صراخها لما فارقها رسول الله إلى المنبر فعن جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة، فقالت امرأة من الأنصار- أو رجل- يا رسول الله، ألا نجعل لك منبراً؟ قال: إن شئتم.فجعلوا له منبراً فلما كان يوم الجمعة دفع إلى المنبر، فصاحت النخلة صياح الصبي، ثم نزل النبي صلى الله عليه و سلم فضمه إليه، يئن أنين الصبي الذي يسكن قال: "كانت تبكي على ما كانت تسمع من الذكر عندها[26] و من معجزاته صلى الله عليه وسلم أيضا انقياد الشجرة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم فعن جابر ابن عبدالله قال : سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلنا واديا أفيح فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته فاتبعته بإداوة من ماء فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ير شيئا يستتر به فإذا شجرتان بشاطئ الوادي فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إحداهما فأخذ بغصن من أغصانها فقال انقادي علي بإذن الله فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده حتى أتى الشجرة الأخرى فأخذ بغصن من أغصانها فقال انقادي علي بإذن الله فانقادت معه كذلك حتى إذا كان بالمنصف مما بينهما لأم بينهما يعني جمعهما فقال التئما علي بإذن الله فالتأمتا قال جابر فخرجت أحضر مخافة أن يحس رسول الله صلى الله عليه وسلم بقربي فيبتعد وقال محمد بن عباد فيتبعد فجلست أحدث نفسي فحانت مني لفتة فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا وإذا الشجرتان قد افترقتا فقامت كل واحدة منهما على ساق فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف وقفة فقال برأسه هكذا وأشار أبو إسمعيل برأسه يمينا وشمالا [27] و من معجزاته صلى الله عليه وسلم أيضا شفاء عين علي رضي الله عنه فعن سهل بن سعد رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر لأعطين هذه الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله قال فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها فقال أين علي بن أبي طالب فقيل هو يا رسول الله يشتكي عينيه قال فأرسلوا إليه فأتي به فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع[28] و من معجزاته صلى الله عليه وسلم أيضا إمتلاء بئر الحديبية الجاف فعن البراء رضي الله عنه قال: كنا يوم الحديبية أربع عشرة مائة والحديبية بئر فنزحناها حتى لم نترك فيها قطرة فجلس النبي صلى الله عليه وسلم على شفير البئر فدعا بماء فمضمض ومج في البئر فمكثنا غير بعيد ثم استقينا حتى روينا وروت أو صدرت ركائبنا[29] و من معجزاته صلى الله عليه وسلم أيضا أن الأرض لفظت من أراد خداع النبي صلى الله عليه و سلم فعن أنس قال: كان رجلاً نصرانياً فأسلم ، وقرأ البقرة وآل عمران ، فكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم فعاد نصرانياً ، فكان يقول : ما يدري محمد إلا ما كتبت له ، فأماته الله ، فدفنوه ، فأصبح وقد لفظته الأرض ، فقالوا : هذا فعل محمد وأصحابه ، نبشوا عن صاحبنا لما هرب منهم ، فألقوه خارج القبر ، فحفروا له وأعمقوا له في الأرض ما استطاعوا ، فأصبح قد لفظته الأرض ، فعلموا أنه ليس من الناس فألقوه[30] ،و كل هذه المعجزات لدليل ساطع على صدق النبوة فكيف إذا اجتمعت مع حسن سيرته و اتصافه بالصدق والأمانة و دعواه النبوة في وقت البشرية بحاجة لنبي و تأييد الله له ونصره على أعدائه و إخباره بالغيب ،و إن قيل هذه المعجزات ليست دليلا على صدق النبوة إذ هي من نقل المسلمين لا غيرهم فالجواب أن هذا القول غير صحيح فلكل قوم عربا وعجما أخبار يتناقلونها عبر الأزمنة و أحداث تنتقل من جيل إلى جيل، فهل يصح أن يقول أحد ما الدليل على صحة هذه الأخبار دون أن يدرسها ويناقشها بعد أن يلم بها إلمامًا واسعًا، فإذا كان كذلك مع أخبار الأمم والأقوام والتي لا يهتم عامة الناس بضبط أحداثها ودقة تفاصيلها، فما الشأن بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله إلى قوم عرفوا بقوة الحافظة وسعة الذاكرة ودقة الملاحظة، فإن هذه الأخبار والوقائع التي ذكرنها منها ما هو في القرآن ومنها ما هو متواتر يعلمه العامة والخاصة؛ والمتواتر هو ما نقله العدد الكثير من الناس الذين يستحيل تواطؤهم على الكذب، وهو ما تناقلته الأمة المسلمة جيلاً بعد جيل وخلفًا عن سلف من أخبار معجزات النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم ، وليس لأحد أن يشكك في شهادة هؤلاء الأخيار الأفاضل، أو يزعم أن هؤلاء الأفاضل إنما شهدوا لنبيهم فشهادتهم غير مقبولة، فإن هذا الزعم من شأنه أن يلغى جميع معجزات الأنبياء وجميع ما ورد عن أخبار السابقين لأنه يمكننا أن نقول أن ما ورد عن عيسي عليه السلام أو ورد عن موسي عليه السلام إنما ذكره أصحابهما والمقربون منهما، وكذلك الشأن مع بقية أخبار الأمم السابقة و المعاصرة ، و من البديهيات أن المروي بالتواتر لا يستطيع أحد إنكاره، ،و من المحال لدى أي عقل اتفاق رواة التواتر على كذب ، ومن ينكر وجود شخصية من الشخصيان كملك أو وزير كان موجودا يكذبه المؤرخون و يأتون له بكل سهولة بأكثر من نقل ورواية بأن هذه الشخصية كانت موجودة بالفعل وأن الأحداث التي حصلت لها مروية بأكثر من رواية ،و
وكذلك نبوة النبي صلى الله عليه وسلم ثابتة ومروية بالتواتر من آلاف الصحابة والتابعين وحتى عصرنا هذا وإن قيل نحن نؤمن بنبوة موسى و عيسى و لا نؤمن بنبوة محمد فالجواب كيف آمنتم بموسى عليه السلام وكيف آمنتم بعيسى ؟ إن قلتم بسبب معجزاتهما ، و أخلاقهما ، و تشريعتهما ، و تأييد الله لهما ونصرته لهما، أو استجابة دعائهما ، أو عدم رغبتهما في المصلحة الذاتية فيقال لكم كل ما ذكرتمونه من الأدلة على صدق النبوة موجود مثله و أكثر عند النبي محمد صلى الله عليه وسلم فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أكرم الناس خلقا ، وأعلاهم فضائلَ وآداباَ و أصدقهم حديثا وكان يغضب لربه ، ولا يغضب لنفسه ، وكان يجوع أحياناً فيعصب الحج على بطنه من الجوع ، ومرة يأكل ما حضر ، ولا يرد ما وجد ، ولا يعيب طعاماً قط وكان أبعد الناس غضباً ، وأسرعهم رضاً ، وكان أرأف الناس بالناس ، وخير الناس للناس ، وأنفع الناس للناس ،و عرض عليه الملك والمال و النساء فأبى و قد عودي في الله ،ولما مكنه الله و نصره، لم تتغير نفسه، ولا تغيرت سيرته، إلى أن مات ودرعه مرهونة في شعير لقوت أهله .
[1] - الفصل في الملل و النحل لابن حزم 2/92
[2]- رواه مسلم في صحيحه رقم 2542
[3] - رواه مسلم في صحيحه رقم2542
[4] - رواه البخاري في صحيحه
[5] - رواه البخاري في صحيحه
[6] - رواه أبو يعلى في مسنده و الطبراني في التاريخ الكبير و حسنه الهيثمي
[7] - رواه البخاري في صحيحه
[8] - رواه أحمد في مسنده
[9] - رواه البخاري في صحيحه
[10] - رواه مسلم في صحيحه
[11] - رواه أبو داود في سننه رقم 4604 ، وصححه الألباني
[12] - كدية : قطعة غليظة لا تعمل فيها الفأس
[13] - معصوبة أي مربوطة من العصابة و هي كل ما يربط به من عمامة أو منديل أو خرقة .
[14] - ذواقا :أي لم نذق شيئا من طعام أو شراب .
[15] - الأهيل أوالأهيم : شك من الرواي وتعني صار رملا سائلا
[16] - العنقا : الأنثى من ولد الماعز .
[17] - البرمة : القدر، و هي من الحجر المعروف قديما بالحجاز .
[18] - انسكر : أي لان وتخمر .
[19] - الأثاقي : الحجارة التي توضع عليها القدر
[20] - بخمر : يغطي
[21] - رواه البخاري في صحيحه رقم 4101
[22] - ركوة : إناء من جلد .
[23] - جهش الناس : أسرع الناس
[24] - رواه البخاري في صحيحه رقم 3576
[25] - رواه مسلم في صحيحه
[26] - رواه البخاري في صحيحه
[27] - رواه مسلم في صحيحه
[28] - رواه البخاري و مسلم في صحيحيهما
[29] - رواه البخاري في صحيحه
[30] - رواه البخاري و مسلم في صحيحيهما
تابع : أدلة صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم و الرد على المنكرين نبوته
و الدليل السابع على صدق نبوته هو بشارات الكتب السابقة به ، و نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ليست بحاجة إلى دليل يقام عليها من الكتب السابقة بحيث إذا لم يوجد ذلك الدليل بطلت نبوته فالآيات الدالة على صدقه كثيرة جدا ، و رسالة محمد صلى الله عليه وسلم دليلها فيها، ووجود البشارات بها في الكتب السابقة عليها لا يضيف إليها جديداً، وعدم وجود تلك البشارات لا ينال منها شيئاً قط، و رغم أن كتب أهل الكتاب الحالية منقطعة السند عن كاتبيها ، و ثبوت التحريف فيها إلا أنه توجد بعض االبشارات بمحمد صلى الله عليه وسلم فمن البشارات ما جاء في سفر التثنية " أقيم لهم نبياً من وسط إخوتهم مثلك ، وأجعل كلامي فى فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به ،ويكون الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذى يتكلم به باسمي أنا أطالبه "[31] ، وهذا بشارة بمولد نبى من أخوة بنى اسرائيل و أخوة بني إسرائي بنى اسماعيل و لو كان المقصود نبى من بنى اسرائيل كالمسيح لقال ( نبى منكم ). و هذا النبى يكون مثل موسى عليه السلام ، و موسى عليه السلام قد تززوج وأنجب وهاجر بشعبه من أرض الكفر بعد أن تعرضوا للأذى منهم وحارب الكفار وهزمهم وتنزل عليه رسالة من السماء على فترات طويلة و موسى عليه السلام قد مات ودفن ، وكل هذا متحقق في نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وغير متحقق في عيسى عليه السلام فعيسى من بني إسرائل و النبي المبشر به من إخوة بني إسرائيل و عيسى عليه السلام ليس مثل موسى عليه السلام فلم يتزوج و لم ينجب ،و لم يهاجر و لم تكن له شريعة مستقلة و لم يجاهد الكفار و لم يمت ويدفن مثل موسى عليه السلام بل رفعه الله إليه،ولم يكن كلام الله في فم المسيح بينما كلام الله فى فم هذا النبى أى أنه نبى أمى يحفظ رسالته ، و انظر إلى المثلية بين موسى و محمد عليهما السلام موسى عليه السلام ولد من أب و أم محمد عليه السلام ولد من أب و أم بينما المسيح ولد من أم بلا أب ، و موسى عليه السلام تزوج و كان له ذرية ،و أيضا محمد عليه السلام تزوج و كان له ذرية أنا المسيح لم يتزوج و لم ينجب ، و موسى عليه السلام أتاه الله شريعة شاملة و كتابا سماوي ( التوراة ) يحوى قصص الأنبياء و أخبار الأمم السابقة و القادمة و الوصايا الربانية و الأحكام الشرعية من عبادات كالصلاة و الصيام و من معاملات كالزواج و الطلاق و الميراث ، و أيضا محمد صلى الله عليه وسلم قد أتاه الله شريعة كاملة و أنزل عليه كتابا سماوي ( القرآن ) يحوى قصص الأنبياء و أخبار الأمم السابقة و القادمة و الوصايا الربانية و الأحكام الشرعية من عبادات كالصلاة و الصيام و من معاملات كالزواج و الطلاق و الميراث أما المسيح فلم يكن له شريعة بل جاء ببعض الوصايا مكملاً و تابعاً لشريعة موسى ،و موسى عليه السلام قد هاجر بقومه من أذى الكافرين ،و أيضا محمد صلى الله عليه وسلم قد هاجر بقومه من أذى الكافرين أما المسيح لم يهاجر ،و موسى عليه السلام قد جاهد فى سبيل الله و أقام دولة حكمها بالشريعة ،و أيضا محمد صلى الله عليه وسلم قد جاهد فى سبيل الله و أقام دولة حكمها بالشريعة أما المسيح لم يجاهد و لم يقم دولة و من البشارات ما جاء في سفر إشعياء : " وحى من جهة بلاد العرب : فى الوعر فى بلاد العرب تبيتين يا قوافل الددانيين. هاتوا ماء لملاقاة العطشان يا سكان أرض تيماء. فانهم من أمام السيف قد هربوا من أمام السيف المسلول. فانه هكذا قال لى السيد الرب: فى مدة سنة كسنة الأجير يفنى كل مجد قيدار لأن الرب تكلم" [32] و هنا ذكرت التوراة الحالية مكان الوحي ، و قد كان بدء الوحي في بلاد العرب فيالوعر في غار حراء ،و كون هناك وحي من جهة العرب أي يأتي نبي من العرب ،و( قوافل الددانيين) هم نسل ابراهيم عليه السلام و ( يفنى مجد قيدار) أي يفني مجد أهل مكة ؛ لأن ( قيدار) هو ابن اسماعيل عليه السلام وهم سكان مكة وهذا دليل انتصار هذا النبى على قومه وخضوعهم له ويصير رئيسهم ، و قد تعبد النبي صلى الله عليه وسلم لله في غار حراء و جاءه الوحي هناك و انتصر على أهل مكة ،و في إنجيل متى قال يوحنا : (( أنا اعمدكم بماء للتوبة.ولكن الذي يأتي بعدي هو اقوى مني الذي لست أهلا أن احمل حذاءه.هو سيعمدكم بالروح القدس ونار. الذي رفشه في يده وسينقي بيدره ويجمع قمحه إلى المخزن . وأما التبن فيحرقه بنار لا تطفأ ))[33] ، وقد أخبر يوحنا أن النبي الآتي يعمدهم بالروح القدس و النار و لذلك لا تنطبق هذه البشارة على عيسى ؛ لأن عيسى عليه السلام يعمد بالماء و هى طريقة التعميد المعروفة عند أهل الكتاب و النبي الذي الذى يعمد بالروح القدس هو محمد صلى الله عليه و سلم ، فينسخ شعائر المعمودية بالماء و يعمد النفوس و يزكى القلوب بالوحى الذى يوحيه الله إليه مصدقاً لقوله تعالى ، وقد أخبر يوحنا أن النبي الموعود يأتي بعده ،و كلمة "بعد" تستبعد عيسى عليه السلام ؛ لأن عيسى ويوحنا ولدا في سنة واحدة وعاصر أحدهما الآخر، و أيضا النبي الموعود يعمد بالروح القدس والنار ، والنار تشير للجهاد ، والذي أمر بالجهاد محمد صلى الله عليه وسلم وقد جاهد في سبيل الله و انتصر على قومه ، والنبي الموعود: (ينقي بيدره) بمعنى يطهر موطنه من الأصنام ومن عبدتها المشركين. والنبي الموعود: (يجمع قمحه إلى المخزن) أي يجمع صحابته والمؤمنين به عند بيت الله الحرام. والنبي الموعود: ( أما التبن فيحرقه بنار لا تطفأ). أي يقضي على عناصر الشر والفساد في العالم، ويناهض أهل الشرك والضلالة وعبادة الأصنام ،و يوحنا في اللحظات الأخيرة من حياته كان لا يعرف حقيقة المسيح أهو المنتظر أم شخص أخر فأرسل تلاميذه يسألون المسيح و في إنجيل متى : (( أما يوحنا فلما سمع في السجن باعمال المسيح أرسل اثنين من تلاميذه. وقال له أنت هو الآتي أم ننتظر آخر؟ ))[34] ،وكيف يؤكد أن المسيح هو المقصود و أنه الشخص الذى لا يستحق يوحنا أن يحمل حذاءه فى حين تؤكد النصوص جهله بذلك حتى دنو أجله ؟ ، و قد اعتراف يوحنا بأن النبي الموعود أعلى منه وأسمى قدراً، يتضح ذلك من قوله "هو أقوى مني" وبمقارنة ما كان عليه يوحنا بما كان عليه محمد صلى الله عليه وسلم ، نجد أن الواقع يشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم كان هو الأقوى الذي بشر به يوحنا، يتضح ذلك من خلال الصورة المأساوية التي ترسمها الأناجيل لنهاية يوحنا حيث يسجن ثم يقطع رأسه ويقدم على طبق، بينما نرى محمداً صلى الله عليه وسلم يدخل مكة دخول الفاتح العظيم، ويدمر الأصنام، ويطهر الكعبة، والكفار مستسلمون له ينتظرون حكمه فيهم ، و في إنجيل متى " الحق الحق أقول لكم: لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان، ولكن الأصغر في ملكوت السماوات أعظم منه.. لأن جميع الأنبياء والناموس إلى يوحنا تنبؤوا، وإن أردتم أن تقبلوا فهذا هو إيليا المزمع أن يأتي، من له أذنان للسمع فليسمع "[35] النبي الموعود الأنبياء بشرت به ، و النبي الموعود أعظم من يوحنا ( يحيي عليه السلام ) ،و آخر أنبياء الله سبحانه وتعالى محمد صلى الله عليه وسلم وهو أعظم من كل البشر ، و محمد صلى الله عليه وسلم صغر بتأخره في الزمان عن سائر الأنبياء، لكنه فاقهم جميعاً باكتمال رسالته ورضا الله بدينه ديناً خاتماً إلى قيام الساعة، فإن لم يكن محمداً صلى الله عليه وسلم فمن ذا يكون ؟ ولا يمكن لنصراني أن يدعي بأن عيسى عليه السلام هو آخر الرسل والأنبياء لإيمانهم برسالة تلاميذه بل وغيرهم كبولس ،وعليه فلا تصدق على المسيح كلمة " الأصغر "، لأنه ليس آخر الأنبياء، كما أنه لم يصرح ولا يفهم أنه كان يتحدث عن نفسه حين قال: " ولكن الأصغر في ملكوت السماوات أعظم منه.. لأن جميع الأنبياء والناموس إلى يوحنا تنبؤوا، وإن أردتم أن تقبلوا فهذا هو إيليا المزمع أن يأتي، من له أذنان للسمع فليسمع " ، و النبي الموعود مزمع أن يأتي ولما يأت بعد فلا يصدق أن يكون المسيح ، و محمد صلى الله عليه وسلم هو الذي أتى بعده ،و الدليل الثامن على صدق النبوة هو القرآن الكريم فالقرآن الكريم المنزل على قلب محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين ، بلسان عربي مبين تحدى الله به الأولينو الآخرين أن يأتوا بسورة من مثل سوره فعجزوا وإلى يومنا هذا و إلى أن يرث الله ومنعليها هو أقوى معجزة على صدق نبوته صلى الله عليه وسلم ووجه الإعجاز في القرآن كونه كلام عربي من جنس ما تكلم به العرب أهل الفصاحةوالبلاغـة، والشعر ولكن يستحيل على أي أحد منهم أو غيرهم أن يؤلف كلاماً مثله في البيانوالحلاوة والحسن والكمال والعذوبة وأداء المعنى المرادقال تعالى : ﴿ أمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [36] ،و من لدن التبي صلى الله عليه و سلم إلى زماننا هذا لم يستطع أحد أن يأتيبسورة من مثله ، ومن عارض القرآن و أتى بما يدعي أنه مثل القرآن افتضح أمره وبان سخقه وجهله و أصبح أضحوكة بين العالمين مثل مسليمة الكذاب ، ومعلوم أن الكفرة يريدون أن يكذبوا هذا القرآن وأبلغ وسيلة لتكذيبه أن يأتوا بمثل سورة واحدة منه ، خصوصاً أنه قد اشتمل على التحدي الصريح لمن أراد أن يأتي بذلك، وعدم إتيانهم بسورة واحدة من مثله مع إصرارهم على التكذيب عجز منهم ، ولو كان القرآن من عند النبي صلى الله عليه وسلم لخاف أن يعارض بمثله فيفتضح ويعود عليه نقيض ما قصد من متابعةالناس ،و إن قيل القرآن من تأليف محمد ، و ليس من عند الله فالجواب هذه فرية يغني فسادها عن إفسادها فالقران بشكله وعباراته وحروفه وما احتوى عليه من علوم ومعارف وأسرار وجمال بلاغى ودقة لغوية هو مما لا يدخل فى قدرة بشر أن يؤلفه إذ عجز فصحاء اللغة عن الإتيان بمثله بالإضافة إلى أن أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أميا، لا يقرأ ولا يكتب و لم يتعلم فى مدرسة و لم يختلط بحضارة، ولم يبرح شبه الجزيرة العربية، و كيف برجل أمي لا يستطيع القراءة ولا الكتابة ، وقد عرف عنه هذا في قومه واشتهر به ثم مع هذا الوصف إذا به يأتينا بهذا القرآن الذي يحوي من العلوم والمعارف ما لم يعلم به جميع البشر عبر كل الأزمنة ، فمن أين لـه ذلك إذا لم يكن نبياً مرسلاً من عند الله ؟ و صدق الله القائل في القرآن : ﴿ وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ﴾[37] أي : من معجزاتك البينة -أيها الرسول- أنك لم تقرأ كتابًا و لم تكتب حروفًا بيمينك قبل نزول القرآن عليك, وهم يعرفون ذلك, ولو كنت قارئًا أو كاتبًا من قبل أن يوحى إليك لشك في ذلك المبطلون, وقالوا: تعلَّمه من الكتب السابقة أو استنسخه منها[38]. ثم يؤكد الله جل وعلا على هذا المعنى ، فيأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يذكّر قومه بأنه أمي ، وهم يعرفون عنه ذلك ويعرفون نشأته بينهم في محيط البيئة الأمية وأنه قد لبث فيهم أربعين عاماً ما كان يأتيهم بمثل هذا وما كان يستطيع، فأنى له الآن معرفة هذا العلم العظيم من تلقاء نفسه قال تعالى : ﴿ قُل لَّوْ شَاء اللّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴾[39] أي : قل لهم -أيها الرسول-: لو شاء الله ما تلوت هذا القرآن عليكم, ولا أعلمكم الله به, فاعلموا أنه الحق من الله فإنكم تعلمون أنني مكثت فيكم زمنًا طويلا من قبل أن يوحيه إليَّ ربي, ومن قبل أن أتلوه عليكم, أفلا تستعملون عقولكم بالتدبر والتفكر ؟[40] ، وكيف يكون القرآن من عند محمد صلى الله عليه وسلم ، وعندما يخبر ببعض الأخبار يخبر أنه ليس له طريق ولا وصول إلى هذا إلا بما آتاه الله من الوحي، كمثل قوله تعالى : ﴿ وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ ﴾[41] أي : وما كنت -أيها الرسول- بجانب الجبل الغربي من موسى إذ كلَّفناه أَمْرنا ونَهْينا, وما كنت من الشاهدين لذلك, حتى يقال: إنه وصل إليك من هذا الطريق[42] ، ومثل قوله تعالى : ﴿ ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ﴾[43] أي : ذلك الذي قصصناه عليك -أيها الرسول- من أخبار الغيب التي أوحاها الله إليك, إذ لم تكن معهم حين اختلفوا في كفالة مريم أيُّهم أحق بها وأولى, ووقع بينهم الخصام, فأجْرَوْا القرعة لإلقاء أقلامهم, ففاز زكريا عليه السلام بكفالتها[44] ، وعندما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقصة يوسف عليه السلام قال تعالى : ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ ﴾[45] أي : ذلك المذكور من قصة يوسف هو من أخبار الغيب نخبرك به -أيها الرسول- وحيًا, وما كنت حاضرًا مع إخوة يوسف حين دبَّروا له الإلقاء في البئر, واحتالوا عليه وعلى أبيه. وهذا يدل على صدقك ،وأن الله يُوحِي إليك[46] ، وإذ كانت هذه الآيات دالة على أن القرآن ليس من عند محمد صلى الله عليه وسلم فهي أيضا دالة على النبوة فهذه الأمور والإخبارات المفصلة التي يفصلها تفصيلاً، لم يتمكن أهل الكتاب الذين في وقته ولا من بعدهم على تكذيبه فيها ولا معارضته من أكبر الأدلةعلى أنه رسول الله حق فلو كانت هذه الأخبار باطلة لكذبوه فهم أحرص الناس على نلقف أي شيء يصد الناس عن دعوته ،و أيضا لو كان القرآن تأليف محمد صلى الله عليه وسلم و أنه شاعر أو كاهن أو تقول القرآن فالناس أمام أمرين إما أن يأتوا بمثله و من هنا جاء التحدي و إما أن يعجزوا عن ذلك ، وفي هذه الحالة يجب أن يعقلوا أنه معجز وأنه وحي من عند الله وأنه دليل على صدق النبوة ، ولو كان القرآن من عند محمد صلى الله عليه وسلم لوجدنا في القرآن حضورا لشخصيته و مشاعره فالقرآن ليس نص فيزياء و لا نص رياضيات يغرق فيالرموز بل هو نص يتحدث عن مشاعر و اعتقادات و حوادث و نظم مجتمعية . و مثل هذا النوع منالنصوص لابد أن نجد فيها ملامح مؤلفها خاصة اللحظات الصعبة التي مر بها في حياته كلحظة موت زوجته خديجة . حيث لا نجد أي ذكرلهذا الحدث في القرآن ، ولا حتى بضع كلمات يبث فيها محمد حزنه عليها ، وهوالذي كانمرهف الحس ، وهو الذي حتى بعد سنوات طوال بعد موتها كان يذكرها فتدمع عيناه!!! فلما لم نجد حضورا لشخصيته و مشاعره في أحلك الظروف دل على أنه ليس من تأليفه ، وكيف يكون القرآن من عند محمد صلى الله عليه وسلم ، هناك آيات فيه معاتبة له قال تعالى : ﴿ عَبَسَ وَتَوَلَّى أَن جَاءهُ الْأَعْمَىوَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ﴾[47] و كيف يكون القرآن من عند محمد صلى الله عليه وسلم و قد تنزل الاية فتنقض عملا من أعمال النبى صلى الله عليه وسلم قال تعالى : ﴿ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾[48] أي : لا ينبغي لنبي أن يكون له أسرى مِن أعدائه حتى يبالغ في القتل; لإدخال الرعب في قلوبهم ويوطد دعائم الدين, تريدون -يا معشر المسلمين- بأخذكم الفداء من أسرى "بدر" متاع الدنيا, والله يريد إظهار دينه الذي به تدرك الآخرة. والله عزيز لا يُقْهر, حكيم في شرعه[49] ، و كيف يكون القرآن من عند محمد صلى الله عليه وسلم ،و يأمر القرآن محمد بأن يقول لأتباعه ما لا يمكن أن يقوله لو أنه كان يؤلف الكلام تأليفا قال تعالى : ﴿ قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ ﴾[50] ، و إن قيل ليس القرآن من كلام محمد بل القرآن أخذه محمد ، وأخذ أصول دينه، وأخبار الأنبياء والمرسلين عن الراهب بحيرا عندما لقيه في الشام ، وعن ورقة بن نوفل الذي كان من متنصرة العرب العلماء بالنصرانية وأحد أقرباء خديجة ( رَضِيَ اللهُ عَنْهُا ) ، و عن الغلام الرومي الأعجمي الذي كان يعمل حداداً في مكة المكرمة فالجواب على ذلك أن هذه دعوى مجردة من الدليل ، خالية من التحديد والتعيين ، فما الذي سمعه محمد –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- من بحيرا الراهب أو ورقة بن نوفل أو الغلام الرومي ؟ ومتى كان ذلك ؟ وأين كان ذلك ؟ و لو تقلى محمد – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - القرآن مما قالوا لنقل ذلك أتباعه الذين لم يتركوا شيئا علم عنه أو قيل فيه ، ولو لم يثبت إلا ودونوه ووكلوا أمر صحته أو عدمها إلى إسناده و ما علم من سيرة رواته ، ونصوص القرآن صريحة في أن محمد – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - لم يكن يعرف شيئا من أخبار الرسل و قصصهم قبل الوحي ، و ما علم من سيرته أنه لم يعرف عنه الكذب على أحد من الخلق فضلا عن الكذب على الله ، و لو كان مصدر القرآن المعجز بحيرا الراهب أو ورقة بن نوفل أو الغلام الرومي لكان هو الأحرى بالنبوة والرسالة والانتداب لهذا الأمر العظيم ، وأيضا معجزاته صلى الله عليه وسلم وخاصة معجزة القرآن الكريم البلاغية التي عجز العرب عن مضاهاتها ـ يستحيل أن تكون من تعليم ،و أسباب نزول الآيات تنفي التعلم المسبق للنبي صلى الله عليه وسلم، فأين كان معلموه المفترضون حين نزل عليه القرآن في غزواته، وهو بين أصحابه يجيب عن أسئلتهم.. هل كانوا لا يُرَون إلا من قِبَل محمد صلى الله عليه وسلم؟ ، و أيضا في القرآن الكريم قصص لأنبياء وسابقين لا يعرفهم أهل الكتاب، كقصة صالح وهود وشعيب عليهم السلام.. كما أن في القصص القرآني تفاصيل غير موجودة في كتبهم، كمعجزات سيدنا عيسى عليه السلام ونفنى رصلبه وقتله، وتبرئة الأنبياء مما افتروه عليهم من خطايا وقبائح ، وإن قيل ليس القرآن من تعليم بحيرا الراهب أو ورقة بن نوفل أو الغلام الرومي بل القرآن مقتبس من كتب اليهود و النصارى فالجواب على ذلك لو صح أن القرآن اقتبسه النبي صلى الله عليه وسلم من كتب أهل الكتاب لاتخذه أعداؤه من المشركين حجة لهم ، بهدف الطعن فيه ، وهم الذين تعلقوا بأوهى التهم كزعمهم أنه تعلم من رومي حداد أعجمي ، فقال تعالى : ﴿ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ ﴾[51] أي هذا الحداد الرومي أعجمي لا يحسن العربية ، فليس بمعقول أن يكون هذا الأعجمي مصدراً لهذا القرآن الذي هو أبلغ نصوص العربية بل هو معجزة المعجزات ومفخرة العرب واللغة العربية ، و مما يدحض شبهة اقتباس القرآن من كتب أهل الكتاب أن النبي صلى الله عليه وسلم أميٌّ لا يقرأ ولا يكتب ، ولم يثبت أنه رأى التوراة والانجيل أو قرأ فيهما أو نقل منهما ،و مما يدحض شبهة اقتباس القرآن من كتب أهل الكتاب أن القرآن الكريم فضح اليهود والنصارى ، وهتك أستارهم ، وذمهم فكيف يكون مقتبسا منهم ، و مما يدحض شبهة اقتباس القرآن من كتب أهل الكتاب أن أحكام الشريعة الإسلامية كانت تتنزَّل متدرجة حسب الحوادث ، والوقائع ، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يتوقف في الحكم على بعض الأمور حتى ينزل الوحي عليه ، مما يدل على أنه ليس لديه علم سابق ، و مما يدحض شبهة اقتباس القرآن من كتب أهل الكتاب وجود اختلاف مع أهل الكتاب في كثيرٍ من الأحكام ، وماحصل من توافق في بعض الأحكام لا يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ منهم ، وتعلم على أيديهم ، وإنما لكون اليهودية والنصرانية أصلهما صحيح يتفق مع أصول الإسلام ، لولا ما اعتراهما من تحريفٍ وتغيير وتبديل .
[31]- التثنية الإصحاح 18 : العدد 18 _ 19
[32] - إشعياء إصحاح 21 عدد 13
[33] - متى إصحاح 3 عدد 11
[34] - متى إصحاح 11 عدد 2 - 3
[35] - متى الإصحاج 11 عدد 11- 15
[36] - يونس الآية 38
[37] - العنكبوت الآية 48
[38] - التفسير الميسر
[39] - يونس الآية 16
[40] - التفسير الميسر
[41] - القصص الآية 44
[42] - التفسير الميسر
[43] - ال عمرآن الآية 44
[44] - التفسير الميسر
[45] - يوسف الآية 102
[46] - التفسير الميسر
[47] - عبس الآية 1 - 3
[48] - الأنفال الآية 67
[49] - التفسير الميسر
[50] - الأحقاف الآية 9
[51] - النحل الآية 103
شبهة عدم إتيان النبي محمد صلى الله عليه وسلم بمعجزة و دحضها
شبهة عدم إتيان النبي محمد صلى الله عليه وسلم بمعجزة و دحضها
قال منكري الرسالة المحمدية أن محمد صلى الله عليه وسلم لم يأت بمعجزة ،و لقد أنكر القرأن أن يكون لمحمد صلى الله عليه و سلم أى معجزات و هذا فى أيات عديدة كقوله تعالى :﴿مَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً ﴾[1] و الجواب على ذلك أن الآية نفسها تدحض هذه الشبهة فمعنى الآية وما منعَنا من إنزال المعجزات التي سألها المشركون إلا تكذيب مَن سبقهم من الأمم، فقد أجابهم الله إلى ما طلبوا فكذَّبوا وهلكوا. وأعطينا ثمود -وهم قوم صالح- معجزة واضحة وهي الناقة، فكفروا بها فأهلكناهم. وما إرسالنا الرسل بالآيات والعبر والمعجزات التي جعلناها على أيديهم إلا تخويف للعباد؛ ليعتبروا ويتذكروا [2] فالكلام عن آيات معينة و ليس عدم الإتيان بأي آية ،و هذه الآيات هي :﴿وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعاً*أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً أو يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً﴾[3]و هذه الآيات التي طالب بها المشركون طالبوا بها تمطعا ، والامتناع عن إعطاء الأيات التى يطلبها الكافرون تمطعاً و عناداً موجود في كتبهم ففي إنجيل متى : (( فخرج الفريسيون وابتدأوا يحاورونه طالبين منه آية من السماء لكي يجربوه . فتنهد بروحه وقال لماذا يطلب هذا الجيل آية.الحق اقول لكم لن يعطى هذا الجيل آية ))[4]و أيضا شبهة أن محمد صلى الله عليه وسلم لم يأت بمعجزة يغني فسادها عن إفسادها فالقرآن الكريم ، والأخبار ، والأحاديث المتواترة ، التي جمعها المحدّثون في كتبهم ، اتفقت جميعها على حدوث كثير من المعجزات على يد النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، وأنّها كانت بتسديد من الله عزَّ وجل و قد نص القرأن على إثبات الأيات لنبي محمد صلى الله عليه وسلم كما فى قوله سبحانه وتعالى : ﴿ وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ ﴾[5] أي : وإن ير المشركون دليلا وبرهانًا على صدق الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، يُعرضوا عن الإيمان به وتصديقه مكذبين منكرين, ويقولوا بعد ظهور الدليل: هذا سحر باطل ذاهب مضمحل لا دوام له[6] ، وأعظم آية لنبي محمد صلى الله عليه وسلم هي القرآن وليس فقط أعظم آيات النبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ بل جميع الأنبياء على ما أتوا به من الآيات واختلافها وتنوعها أعظم آياتهم هـذا الكتاب المبين؛ ولذلك قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( ما من نبيِّ من الأنبياء إلا وأوتي ما على مثله آمن البشر، وكان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً ))[7]و في الحديث دلالة على أن أعظم آيات الأنبياء هي آية الرسول محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه رجا بهذه الآية أن يكون أكثرهم تابعاً، وكثرة الأتباع إنما تكون ناشئة عن عظم الآية التي رأوها وأتي إليهم بها، وآية محمد صلى الله عليه وسلم القرآن هذا الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو آية مستمرة، بخلاف سائر آيات الأنبياء فإنها آيات مؤقتة وفي مكان محدد، فهي محدودة في المكان والزمان، أما القرآن فهو آية على مرّ العصور وعلى اختلاف الأزمان وعلى اختلاف الأماكن أيضاً، فهو آية عظيمة مستمرة باهرة، ولذلك كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكثر الأنبياء تابعاً .
[1] - الإسراء الآية 59
[2]- التفسير الميسر
[3]- الإسراء الآية 90 - 93
[4] - متى إصحاح 8 عدد 11
[5]- القمر الآية 2
[6]- التفسير الميسر
[7]- رواه البخاري و مسلم في صحيحيهما
صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم دلالة على صدق ما جاء به
صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم دلالة على صدق ما جاء به
قد تقدم بعض الأدلة الدالة على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، وهذه الأدلة الدالة على صدق نبوته تدل على صدق ما جاء به ، ودليل ذلك أن الله إذا اصطفى إنساناً بالوحي وكلفه تبليغ رسالاته للناس وزوده بالأدلة التي تشهد بصدقه أنه رسول فلا يعقل أنه يكذب فتأييد النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالأدلة التي تشهد بصدق نبوته تؤكد صدقه و عدم كذبه فالرسول صلى الله عليه وسلم أيده الله بالأدلة التي تشهد بصدق نبوته فلو كذب قبل هذه الآيات لكانت هذه الآيات تأييداً للكذب ولو كذب بعد هذه الآيات لكانت هذه الآيات تأييداً للكذب فهذه الآيات معناه أيها الناس إني رسول الله فإذا نطق بالكذب قبلها أو بعدها فهذه الآيات أصبحت تأييداً للكذب وهذا مستحيل عقلاً ولا يليق بالله سبحانه وتعالى أن يصطفي رسولاً يكذب عليه ولا يعقل أن يكذب النبي على ربه ، ولا يعقل أن يكذب النبي على ربه ولا أن يُكذّبه ، لا يكذب له ولا عليه ولا يُكذّبه نخلص من هذا أن صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم دليل على صدق نقله عن الله و صدق ما جاء به .
مما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وجوب اعتناق الإسلام و ترك ما سواه من الأديان
مماجاء به محمد صلى الله عليه وسلم وجوب اعتناق الإسلام و ترك ما سواه من الأديان
تقدم أن صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم دليل على صدق نقله عن الله و صدق ما جاء به ،و مما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وجوب اعتناق الإسلام و ترك ما سواه من الأديان أي أن الإسلام هو الدين الحق الذي يطلبه الله من عباده ولا يقبل منهم سواه ، وهذا يدل على أن ما عداه من الدين باطل وضلال قال تعالى : ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾[1] أي : إن الدين الذي ارتضاه الله لخلقه وأرسل به رسله, ولا يَقْبَل غيره هو الإسلام, وهو الانقياد لله وحده بالطاعة والاستسلام له بالعبودية, واتباع الرسل فيما بعثهم الله به في كل حين حتى خُتموا بمحمد صلى الله عليه وسلم, الذي لا يقبل الله مِن أحد بعد بعثته دينًا سوى الإسلام الذي أُرسل به. وما وقع الخلاف بين أهل الكتاب من اليهود والنصارى, فتفرقوا شيعًا وأحزابًا إلا من بعد ما قامت الحجة عليهم بإرسال الرسل وإنزال الكتب; بغيًا وحسدًا طلبًا للدنيا. ومن يجحد آيات الله المنزلة وآياته الدالة على ربوبيته وألوهيته, فإن الله سريع الحساب, وسيجزيهم بما كانوا يعملون[2] ، وقال تعالى : ﴿ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾[3] أي : ومن يطلب دينًا غير دين الإسلام الذي هو الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة, والعبودية, ولرسوله النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم بالإيمان به وبمتابعته ومحبته ظاهرًا وباطنًا, فلن يُقبل منه ذلك, وهو في الآخرة من الخاسرين الذين بخسوا أنفسهم حظوظها[4] ، و قال تعالى : ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾[5] أي : هو الذي أرسل رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم بالقرآن ودين الإسلام; ليعليه على الأديان كلها, ولو كره المشركون دين الحق -الإسلام- وظهوره على الأديان[6] و قال تعالى : ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً ﴾[7] أي :هو الذي أرسل رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم، بالبيان الواضح ودين الإسلام؛ ليُعْليه على الملل كلها, وحسبك -أيها الرسول- بالله شاهدًا على أنه ناصرك ومظهر دينك على كل دين[8] ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ( وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ )) [9] نخلص مما سبق أن الواجب على كل إنسان يهودي أو نصراني أو ملحد أو لا ديني أو وثني أين كانت ديانته الواجب عليه أن يدخل في دين الإسلام الذي أنزله الله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، لأنّ الرسالة المحمدية هي الخاتمة والناسخة للديانات السابقة ، والله أمر باعتناق دينه و ترك ما سواه من الأديان .
[1] - ال عمران الآية 19
[2] - التفسير الميسر
[3] - ال عمران الآية 85
[4] - التفسير الميسر
[5] - التوبة الآية 33
[6] - التفسير الميسر
[7] - الفتح الآية 28
[8] - التفسير الميسر
[9] - رواه مسلم في صحيحه
شبهة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرسل لأهل الكتاب و دحضها
شبهة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرسل لأهل الكتاب و دحضها
ادعى أهل الكتاب أن محمد صلى الله عليه وسلم لم يرسل إليهم محتجين بقوله تعالى :﴿ و َمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾[1] و قوله تعالى : ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ﴾[2] و قوله تعالى : ﴿ و َأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾[3] ، والجواب على ذلك هو الفرق بين قوله سبحانه و تعالى :﴿ و َمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ ﴾ و بين قوله : ( وما أرسلنا من رسول إلا لقومه ) فالقول الثاني هو المفيد لاختصاص الرسالة بهم ، لا الأول ، وفرق بين قوله تعالى : ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ﴾ وبين قوله : ( هو الذي بعث في الأميين رسولا لهم ) و فالقول الثاني هو المفيد لاختصاص الرسالة بهم ، لا الأول ، وفرق بين قوله تعالى : ﴿ و َأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾ و بين قوله : ( و لا تنذر إلا عشيرتك الأقربين ) فالقول الثاني هو المفيد لاختصاص الرسالة بهم ، لا الأول ، و القرآن مملوء بدعوتهم وأمره لهم بالإيمان به واتباعه بل وبعموم رسالته إلى جميع الناس بل وإلى الجن والإنس وليس فيه قط أنه لم يرسل إلى أهل الكتاب بل فيه التصريح بدعوة أهل الكتاب في غير موضع كقوله تعالى : ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾[4] و في القرآن التصريح بعموم رسالته لجميع الناس كقوله تعالى : ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾[5] أي : وما أرسلناك -أيها الرسول- إلا للناس أجمعين مبشرًا بثواب الله, ومنذرًا عقابه, ولكن أكثر الناس لا يعلمون الحق, فهم معرضون عنه[6].
[1]- إبراهيم الآية 102
[2]- الجمعة الآية 2
[3]- الشعراء الآية 214
[4] - ال عمران 64
[5]- سبأ الآية 28
[6]- التفسير الميسر