اقتباس:
قوله تعالى {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} ..
أخشى أن يتوهم القارئ في هذه الآية دليلاً على جواز استخدام كل سلاح استخدمه الخصم ..
وليس الأمر كذلك ، بل في المسألة تفصيل ، إذ معنى المثلية هنا يحتاج إلى فهم وتحقيق .
قال ابن تيمية : « فإن الأمور : منها: ما يُباح القصاص فيه، كالقتل وقطع الطريق وأخذ المال، ومنها: ما لا يباح فيه القصاص، كالفواحش والكذب ونحو ذلك » اهـ. ومثَّل رحمه الله لما لا يُباح فيه القصاص بحديث « ولا تخن من خانك » .
وجاء في "إعلام الموقعين" لابن القيم : « الجناية على العرض : فإن كان حرامًا في نفسه كالكذب عليه وقذفه وسب والديه ، فليس له أن يفعل به كما فعل به اتفاقـًا » .
ولذلك اتفق العلماء على هذه الصورة مثلاً : لو زنا زيد بامرأة عمرو ، لم يحل لعمرو أن يقتص لنفسه بأن يزني بامرأة زيد.
ولذلك لا يُباح للمسلم أن يسب موسى أو المسيح عليهما السلام ولو سب الكتابي محمدًا صلى الله عليه وسلم.
وبعبارة أخرى : ليست كل الأسلحة مشروعة في الحرب بالنسبة للمسلم .
وإنما المسلم يحكمه الشرع في سلمه وحربه .. يحكمه تقدير المصالح والمفاسد .. وهذه للعلماء وحدهم ..
ولذلك حتى الآية التي تستدل بها لم يفهم منها العلماء جواز الابتداء بانتهاك الشهر الحرام مثلاً ، بل فهموا ضد ذلك.
ولذلك قال الزجاج : « وعلم الله تعالى بهذه الآية أنه ليس للمسلمين أن ينتهكوا هذه الحرمات على سبيل الابتداء بل على سبيل القصاص » اهـ.
بل هذه خصيصة المسلم .. فالمسلم ليس له التصرف في سلم أو حرب إلا بما قيده الشرع به .. بل لا معنى للإسلام إلا هذا .. ومن أجل هذا بعث الله الرسل ..
وأما منطق استحسان كل سلاح دون الرجوع لحكم الشرع فيه ، فليس من الإسلام في شيء ، بل ما بعث الله الرسل إلا لمحاربة هذا المنطق ..
إن الإسلام هو الاستسلام لله في كل مناحي الحياة .. : { قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين . لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين } ..
فتأمل قوله {وبذلك أمرت} لتعلم أن المسألة لا خيار للمسلم فيها ..
وتأمل قوله {وأنا أول المسلمين} لتعلم أن هذه هي حقيقة الإسلام .
فإذا طبقنا هذا الكلام على موضوعنا ، نقول :
ليس المطلوب فقط الدعوة إلى دين الله .. بل مطلوب أيضـًا الرجوع إلى العلماء في مدى شرعية وسائل الدعوة ..
ليس المطلوب فقط الدفاع عن الإسلام .. بل مطلوب أيضـًا الرجوع إلى العلماء في مدى شرعية وسائل هذا الدفاع ..
ليس المطلوب منا فقط أن نعبد الله .. بل مطلوب أيضـًا ألا نعبده إلا بما شرع ..
وما شرعه ليس إلا على ألسنة رسله .. وميراث رسله ليس إلا عند العلماء .
وفقك الله ورعاك .