بسم الله الرحمن الرحيم
خلال تصفحي لبعض المنتديات الإلحادية وقراءتي لمواضيعهم حول شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم تفاجئت بتزوير صريح للسيرة النبوية ومحاولة طمس الحقائق الساطعة في رحاب تلك السيرة العطرة حيث يصور هؤلاء الملحدون أن الرسول صلى الله عليه وسلم ادعى النبوة لأهداف دنيوية ، رغم أن القارئ المنصف لسيرته يتأكد تماما أنها خالية من هذه الادعاءات فإنما هي شبهات يثيرها البعض بغية التزوير وتضليل المسلمين عن الحق. ورغم أن الردود تنهال عليهم في كل حين إلا أنهم يقفزون من شبهة إلى شبهة بعد عجزهم المتواصل فقد أثبتوا لي في عديد المناسبات أن عملهم هو النقل دون التفكير وتمحيص الأخبار والبحث.
وجدت أن الملحد يصف الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه رجل سعى للملك لا غير متغاضيا بذلك عما ورد من أحاديث تصف لنا حال الرسول وديدنه. لا أشك البتة أن هذه الصفات لم تخفى عليهم إنما تعاموا وتغاضوا عنها وسأنقل بعضا من المواقف التي حصلت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولكل منصف ذو بصيرة أن يقارن هذه الحياة بحياة الملوك وأن يحكم بإنصاف ويسأل ان كان هذا الرجل العظيم يريد الدنيا ! ولنقارن هذه الحياة بحياة الملوك! ولنقارن أخلاقه بأخلاق الملوك ! فهو الذي قال :
---------------------------
1- ((مالي وللدنيا ، إنما مثلي ومثل الدنيا كمثل راكب قَالَ ـ أي نَامَ ـ في ظل شجرة ، في يوم صائف ، ثم راح وتركها )) رواه الترمذي وأحمد وهو صحيح
---------------------------
2- وقال صلى الله عليه وسلم (( كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل )) رواه البخاري
---------------------------
وقال صلى الله عليه وسلم ؛ (ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليمّ ، فلينظر بم يرجع) -3 رواه مسلم
---------------------------
4- وقال صلى الله عليه وسلم (( الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر )) رواه مسلم
---------------------------
5- قال عليه الصلاة و السلام ؛ (( موضع سوط في الجنة خير من الدنيا و ما فيها))
وغيرها من الأحاديث التي تثبت حث الرسول صلى الله عليه وسلم لصحابته على الورع والتقوى وترك ملذات الدنيا الفانية والإقبال على الآخرة الباقية ، أتعتقدون أن الرسول صلى الله عليه وسلم سيقول ما لا يفعل ؟! وقد قال الله تعالى : يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُون كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ . نذكر الآن بعض من الأحاديث التي تجلي لنا تواضع الرسول صلى الله عليه وسلم وزهده في الدنيا وتذكروا خلال قرائتكم لهذه الآثار إدعاء الملحد الذي يزعم فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد ملكا !
1- عن علي رضي الله عنه أن فاطمة بنت الرسول صلى الله عليه وسلم إشتكت ما تلقى من الرحى مما تطحن فبلغها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بسبي فأتته تسأله خادماً فلم توافقه فذكرت لعائشة فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك عائشة له فأتانا وقد دخلنا مضاجعنا فذهبنا لنقوم فقال علي مكانكما حتى وجدت برد قدميه على صدري فقال : ألا أدلكما على خير مما سألتماه إذا أخذتما مضاجعكما فكبرا الله أربعاًً وثلاثين وإحمدا ثلاثاًً وثلاثين وسبحا ثلاثاًً وثلاثين فإن ذلك خير لكما مما سألتماه
---------------------------
2- لما بعث أهل مكة في فداء أسراهم بعثت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في فداء أبي العاص بن الربيع بمال وبعثت فيه بقلادة لها كانت خديجة أدخلتها بها على أبي العاص حين بنى عليها قالت فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لها رقة شديدة وقال ؛ إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها مالها فافعلوا فقالوا نعم يا رسول الله فأطلقوه وردوا عليها الذي لها (صححه الألباني)
---------------------------
3- ولما كُسِرت رُباعيته صلى الله عليه وسلم وشُجَ وجهه يوم أُحد، شَقَ ذلك على أصحابه، وقالوا: يا رسول الله ادعُ على المشركين، فأجاب أصحابه قائلاً لهم: ( إني لم أُبعث لعاناً وإنما بعثت رحمة ) رواه مسلم
---------------------------
4- وأقبل ذات مرة الطفيل بن عمرو الدوسي على النبي صلى الله عليه وسلم، طالباً منه الدعاء على أهل دوس لعصيانهم ، فما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن رفع يديه مستقبل القبلة قائلا ؛ اللهم اهد دوساً. (البخاري)
---------------------------
5- بعد أن حارب أهل مكة الرسول صلى الله عليه وسلم وبعد إخراجه منها وهي أحب البلاد إليه وهم الذين قاتلوه وعذبوا المسلمين ولا يخفى على أحد قسوة أهل مكة عليهم ومحاولاتهم العديدة لاستئصال المسلمين وقتل الرسول صلى الله عليه وسلم ، فتح المسلمون هذه البلاد فقام فيهم النبي قائلاً: ( ما تقولون أني فاعل بكم ؟ ) قالوا : خيراً ، أخ كريم ، وابن أخ كريم ، فقال: ( أقول كما قال أخي يوسف ) : { لا تثريب عليكم اليوم يغفر اللَّه لكم وهو أرحم الراحمين } (يوسف:92)، اذهبوا فأنتم الطلقاء (رواه البيهقي)
---------------------------
6- قال زيد بن ثابت : إن الله عز وجل لما أراد هدى زيد بن سعنة ، قال زيد بن سعنة ما من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفتها في وجه محمد صلى الله عليه وسلم حين نظرت إليه إلا اثنتين لم أخبرهما منه يسبق حلمه جهله ولا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلما ... (أقرض زيد الرسول صلى الله عليه وسلم واتفقا على يوم ليوفيه فيه دينه) ... قال زيد بن سعنة فلما كان قبل محل الأجل بيومين أو ثلاث خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر وعثمان في نفر من أصحابه فلما صلى على الجنازة ودنا إلى الجدار ليجلس إليه أتيته فأخذت بمجامع قميصه وردائه ونظرت إليه بوجه غليظ قلت له يا محمد ألا تقضيني حقي فوالله ما علمتم بني عبد المطلب لمطلا ولقد كان بمخالطتكم علم (ما بلغني أن ملكا خالط رعيته ولم يكن بينه وبينهم حرس وجنود فضلا على أن يأخذ يهودي بمجامع قميصه ويقول له ما قال) ونظرت إلى عمر وعيناه تدوران في وجهه كالفلك المستدير ثم رماني ببصره فقال يا عدو الله أتقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما أسمع وتصنع به ما أرى فوالذي نفسي بيده لولا ما أحاذر فوته لضربت بسيفي رأسك ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلي في سكون وتؤدة فقال يا عمر أنا وهو كنا أحوج إلى غير هذا أن تأمرني بحسن الأداء وتأمره بحسن اتباعه اذهب به يا عمر فأعطه حقه وزده عشرين صاعا من تمر مكان ما رعته قال زيد فذهب بي عمر فأعطاني حقي وزادني عشرين صاعا من تمر فقلت ما هذه الزيادة يا عمر قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أزيدك مكان ما رعتك قال وتعرفني يا عمر قال لا قلت أنا زيد بن سعنة قال الحبر؟! قلت الحبر قال فما دعاك إلى أن فعلت برسول الله صلى الله عليه وسلم ما فعلت وقلت له ما قلت ؟! قلت يا عمر لم يكن من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفت في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نظرت إليه إلا اثنتين لم أخبرهما منه يسبق حلمه جهله ولا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلما وقد اختبرتهما فأشهدك يا عمر أني قد رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا وأشهدك أن شطر مالي فإني أكثرها مالا صدقة على أمة محمد صلى الله عليه وسلم قال عمر أو على بعضهم فإنك لا تسعهم قلت أو على بعضهم فرجع عمر وزيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال زيد أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وآمن به وصدقه وبايعه وشهد معه مشاهد كثيرة ثم توفي في غزوة تبوك مقبلا غير مدبر رحم الله زيدا
---------------------------
7- عن أنس رضي الله عنه قال إن كانت الأمة من إماء المدينة لتأخذ بيد رسول الله فتنطلق به حيث شاءت
---------------------------
8- عن عائشة رضي الله عنها قالت كان يخيط ثوبه ويخصف نعله ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم
---------------------------
9- روى البخاري عن جابر بن عبد الله أنه غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فأدركتهم القائلة في واد كثير العضاه ، فتفرق الناس في العضاه يستظلون بالشجر ، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم تحت شجرة فعلق سيفه بها، ثم نام ، فاستيقظ وعنده رجل وهو لا يشعر به ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن هذا اخترط سيفي ، فقال : من يمنعك ؟ قلت : الله ، فشام السيف ، فها هو ذا جالس ) . ثم لم يعاقب
---------------------------
10- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله
================================
هذه عشرة أخبار تبين لنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرد ملكا ولم يكن يبغي ذلك بل هو الذي كان يتكئ على حصير حتى يؤثر في جنبه ، وهو الذي لم يرد سائل ولم يقل في حياته "لا" إلا في التشهد ، وهو الذي يبعث في بيوت أزواجه طالبا الطعام فلا يجد فيها إلا الماء ، وهو الذي فتح عدة قصور ولم يتخذ منها مسكنا بل رضي بتلك البيوت في المدينة كسائر الناس ! فما الذي دفع محمد صلى الله عليه وسلم "لادعاء" النبوة (كما يقول الملحد) ان لم يكن يبغي من وراء ذلك ملكا ؟! إنه أمر الله عز وجل حيث أمره بـ: "يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ".
هذه هي الدولة التي أقامها الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة وهذه هي الدولة التي يدعي الملحدون أنها كانت تحت ملكه !! ولقد انتقيت هذه الأخبار لتكون دليلا صارخا على أخلاقه صلى الله عليه وسلم وليعلم الملحد الذي لم يقرأ إلا لمستشرقين أو ملحدين دنسوا التاريخ وزيفوه حسب أهوائهم ، يعلم على أي درجة كانت أخلاقه صلى الله عليه وسلم ، وحتى لا ترد هذه الأخبار بدعوى أنه في مكة قبل الهجرة ، اخترتها أخبارا من بعد الهجرة وقد فرض الجهاد على المسلمين وصارت عندهم دولة إسلامية وكان الرسول صلى الله عليه وسلم هو القائد المعلم فيها ، فسؤالي لكل ملحد : هل أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكون ملكا طاغيا جبارا متكبرا ؟ هل هذه الأخبار دليل على تواضع النبي أو على تكبره ؟ والسؤال الأهم من ذلك ، لماذا يردد الملحد في كل حين أنه صاحب الفكر الحر والنزيه ولا أجده إلا سابا شاتما لخير البرية محمد صلى الله عليه وسلم ولا ينزله منزله ويرميه بأبشع التهم انطلاقا من حديث واحد ضعيف !! أو من كلمة لم يفهمها ولم يستوعبها !! في حين لا نجده يستدل يوما بإحدى هذه الأحاديث التي تعد بالآلاف على خلق الرسول صلى الله عليه وسلم بل وتجده في عديد المناسبات يهتف بأسماء لعاهرات ومومسات علم للكل أنهن فاجرات العالم أو تجده يتشدق باسم قاتل أباد مئات الأطفال والنساء في يوم واحد !!
لا أريد من خلال هذا الموضوع أن يسلم الملحد أكثر من رجائي أن يتعلم الملحد مبدأ مهم في حياة الانسان ، إنه الإنصاف وإنزال الناس منازلهم ، وإني لعلى يقين أن الملحد بعد أن يقرأ هذا الموضوع سيحاول إثارة شبهات لطالما رددنا عليها وينقلها من أول منتدى إلحادي يعترضه ، لكن ... ما باله لا يقبل آلاف الأحاديث الصريحة بشبهة واحدة وجدها ؟!
أيها الملحد ، إن عدم إيمانك برسالة محمد صلى الله عليه وسلم لا يتعارض مع إقرارك بأخلاقه ، وإن كنت ترى في محمد صلى الله عليه وسلم أنه إنسان عادي وليس برسول فيتوجب عليك انصافه أيضا لأنك تؤمن أن كل انسان يخطئ ويصيب ، فإنصاف محمد صلى الله عليه وسلم أمر محتم على كل انسان سواءا كان مسلما أو كان ملحدا أو غير ذلك.
قال الأديب الروسي( توليستوي) ؛
لا ريب أن هذا النبي من كبار الرجال المصلحين, الذين خدموا الهيئة الاجتماعية خدمة جليلة, ويكفيه فخرا أنه فتح لها طريق التقدم والرقي, وهذا عمل عظيم لا يفوز به إلا شخص أوتي قوة وحكمة وعلما. ورجل مثله جدير بالإجلال والاحترام
